بحـث
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 9 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 9 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 341 بتاريخ السبت 2 أكتوبر 2021 - 9:05
حكايات وأساطير عالميه
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حكايات وأساطير عالميه
أحبتى فى منتدى شندى السلام عليكم
بالصدفه قرأت هذا الكتاب وأعجبت جداً بمافيه من
اسلوب قصه ممتع فأسمحو لى أن أختلس هذا البوست
لكى أفرد لكم فيه جناحاً من متعة الأحجيات التى ذهبت
مع حنان حبوباتنا لهن الرحمه والمغفره .
دان— أوتا
هذه إحدى الحكايات التي يرويها كبار السن في ليالي الشتاء حول مواقد النار عند القبائل في أراضي مالي الشاسعة .
قبل سنين بعيدة ، في وقت ألقى الزمان به من وراء ظهره ، تزوج رجل من امرأة ، وذهبا وحيدين إلى الغابة ، وهناك زرعا الأرض واستخرجا منها ما يكفي حاجتهما ، وبعد انقضاء سنة ولدت لهما ابنة أسميها "سارا " ، و استمرا وحيدين ، وعندما أصبحت " سارا " شابةً ، جاءهما طفلُ آخر أسمياه "دان—أوتا " .
وبعد فترة مرض الأب فقال لنفسه:" إنني أموت" . ونادى على ابنته سارا وقال لها :
" يبقى " دان أوتا " معك ، لا تتركيه ، وفوق كل شيء اعملي على أن لا يبكي دان أوتا أبداً " . و ما أن قال الأب ذلك حتى مات .
وبعد فترة مرضت الأم وقالت لنفسها :" إنني أموت " . ونادت سارا وقالت أمها لها:
" ليبقى دان أوتا معك ، لا تتركيه ، و فوق أي شيء إياك أن يبكي أبداً " . وماتت الأم بعد أن قالت ذلك .
بقي الطفلان وحيدين في الغابة ، وكان قد تبقى لهما مخزون قليل من الذرة ، ومن الطحين المستخرج من شجرة الخبز ومن الفاصولياء الناشفة ، فقالت سارا : " بهذا لدينا ما يكفينا ، لنأكل إلى أن يصبح دان أوتا رجلاً ويمكنه زراعة الأرض " .
وبدأت سارا تطحن الذرة لتحضّر الطعام، و عندما أصبحت الذرة طحيناً وضعته في إحدى القرعات ، وأخذته إلى الكوخ لتخبزه ، وبعدها خرجت لتبحث عن الحطب ،وقد تركت دان أوتا وحيداً يحبو على الأرض ، وبالكاد يحاول الوقوف على قدميه ، وعندما شعر أوتا بالملل اقترب من القرعة ، فقلبها ، وأخذ جمرة من الموقد ، وخلطها بالطحين . عندما عادت سارا ورأت ما فعله دان أوتا صرخت :
" أي ! يا أخي دان أوتا ماذا فعلت؟! لقد أتلفت طحين طعامنا اليوم !! " .
فبدأ دان أوتا بالبكاء ، لكن سارا قالت في الحال : " لا !! لا تبكِ يا دان أوتأ ، فأبوك وأمّك قالا لي ألا ّ أدعك تبكي أبداً " .
عادت سارا للخروج ، و عاد دان إلى الملل . وعندما رأى الجمرات تتوهج أخذ دان واحدة منها ، و زحف خارج الكوخ ، فأشعل النار في مخزون الذرة وفي طحين شجرة الخبز والفاصولياء ،عندها وصلت سارا ورأت كلّ شيء ، وقد أكلته النار فصرخت :
" أي !! يا أخي دان !! ماذا فعلت ؟ لقد حرقت كلّ شيء كان عندنا لنأكله !! كيف سنعيش الآن؟ " .
وعندما سمعها دان ، بدأ بالبكاء ، لكن سارا قالت له بسرعة: " يا أخي دان أوتا لا تبكِ لقد أوصاني أبوك وأمك ألاّ تبكي أبداً ،وها أنت قد أحرقت كل ما كان عندنا ، لا بأس ، تعال لنرى ماذا نفعل لنأكل " .
وضعت سارا دان على ظهرها ، وربطته بثوبها وانطلقت نحو الغابة ، فعثرت على طريق مشت فيه حتى وصلت إلى إحدى المدن ، فوجدت نفسها في حي الملك ، وهناك استقبلتهما الزوجة الأولى للملك ، وأبقتهما ليسكنا معها ، و صارت تقدم لهما الطعام يومياً .
كانت سارا دائماً تحمل دان أوتا على ظهرها ، فأخذت النساء الأخريات يسألنها :
" سارا لماذا تحملين دان على ظهرك دائماً ؟ لماذا لا تضعيه على الأرض و تتركيه يلعب مع الأطفال الآخرين؟ " .
فأجابت سارا:
" دعوني وحالي فان أبي وأمي أوصياني ألاّ يبكي أبداً ، وعندما أحمله على ظهري فإنه لا يبكي ، عليّ أن أحرص ألاّ يبكي " .
لكن دان أوتا في يوم من الأيام قال لسارا : " أريد أن ألعب مع إبن الملك " .
فوضعته سارا على الأرض ، و أخذ دان يلعب مع ابن الملك ، تناولت سارا جرّة وخرجت لتبحث عن الماء ، وفي الأثناء أخذ ابن الملك غصنًا فأخذ دان غصناً أخر وبدأ الاثنان يلعبان بالأعواد ، فقلع دان إحدى عيون ابن الملك والذي ارتمى سريعاً على الأرض .
في هذه اللحظة كانت سارا قد وصلت ، ورأت دان و قد اقتلع عين ابن الملك . لم يكن أحدٌ هناك ، لكن ابن الملك بدأ يصرخ، فتركت سارا الجرّة ، وأخذت دان اوتا و خرجت من حي الملك ، ومن ثم خرجت من المدينة كلها بما أمكنها من عجلة .
لم يكن أحدٌ موجوداً عندما اقتلع دان عين ابن الملك ، لكن الطفل استمر بالبكاء والصراخ فسمعه الملك وسأل:
" لماذا يبكي ابني؟ " .
خرجت نساؤه ليرين ماذا حدث ، وعندما لاحظن المصيبة ، أخذن بالصراخ فسمع الملك صرخات زوجاته الأربعين ، فهرع إلى المكان .
: " ما هذا؟ من فعل ذلك؟ " . سأل الملك . فأجابه ابنه: " إنه دان أوتا " .
قال الملك لحراسه: " اخرجوا ، اذهبوا في كل أرجاء المدينة ، ابحثوا عن سارا و دان أوتا " .
انطلق الحراس وبحثوا في كل بيت ، لكنهم لم يجدوا ضالتهم، فجمع الملك كل ناسه وكل جنوده الراجلين المشاة والخيالة وقال لهم :
" لقد هربت سارا ومعها أخوها دان أوتا من المدينة ، فابحثوا عنهما في الغابة ، وأنا سأذهب بنفسي مع الخيالة للبحث عنهما " .
لقد مضى يومان متتاليان على سارا وهي تمشي ، ودان أوتا على ظهرها ، ولم تقو بعد ، لكنها رأت من بعيد الملك وجنوده قادمين ، وكان بالقرب منها شجرة ضخمة، فقالت سارا لنفسها :
" سأصعد هذه الشجرة ، وهكذا يمكنني الاختباء بين أوراقها " .
وصعدت إلى الشجرة يرافقها دان على ظهرها ،واختبآ بين الخضرة الكثيفة ، وبعد قليل وصل الملك وجنوده إلى الشجرة فقال الملك :
" لقد امتطيت خيلي ليومين وأنا متعب ، ضعوا كرسيّ الخيزران تحت هذه الشجرة ، أريد أن أرتاح " .
نفذّ الجنود ما آمر به الملك ، واسترخى الملك على كرسيه تحت الغصن الذي تجلس عليه سارا ودان أوتا .
تململ دان أوتا ، لكنه شاهد الملك في الأسفل فقال : "سارا ! سارا !" .
: " اسكت يا دان أوتا !! اسكت!!". فبدأ دان بالبكاء ، وأخذت سارا تقول له : " لا تبكِ يا دان أوتا !! لا تبكِ فأبوك وأمك قالا لي : ألاّ تبكِ أبداً ، فقل ما تشاء " .
فقال دان أوتا :
" سارا أريد أن "أسوي بيبي" ، أن أبول على رأس الملك ".
فغضبت سارا و قالت : " أي يا دان أوتا !! سوف يقتلنا إذا فعلت ذلك " . فبدأ دان بالبكاء .
فقالت سارا له : لا تبكِ ،وافعل ما تشاء " .
وفعل دان ما يريد ، وسقط السائل على رأس الملك ، الذي وضع يده على رأسه ، وتحسس الشيء الذي سقط على رأسه وقال : " هذا براز !! " . فنظر الملك إلى أعلى ، و رأى سارا و دان أوتا . فصرخ :
" احضروا الفؤوس ، وقصوا الشجرة " . فركض رجاله ، و جلبوا الفؤوس ، وبدؤوا يضربون على جذع الشجرة .
أخذت الشجرة تهتز ، وازدادت ضرباتهم القوية ، فانحنت الشجرة ، عندها قالت سارا :" الآن سيقبضون علينا ، وسوف يقتلوننا " .
في الحال انطلق طائر عملاق فوق الغابة ، وجاء ليحطّ على الشجرة التي كانت سارة ودان يختبئان فيها ، شاهدت سارا الطير و هو يقترب فقالت :
" يا طائري العملاق إن رجال الملك سيقتلونني أنا و دان آخي ، إذا أنت لم تنقذنا " .
سمع الطير العملاق ما قالته سارا ، فاقترب منها ومن أخيها ، فوضعت سارا دان على ظهرها ، لكن الشجرة سقطت في الحال ، فالتقط الطائر سارا وأخيها وطار بهما عالياً فوق الغابة ، واستمر بالتحليق عالياً . نظر دان إلى الطائر، فلاحظ أنه يحرك ذيله كأنه مقود، فتمتع برؤية ذلك ، لكنه بعد قليل تململ وقال : " سارا ! سارا ! " .
ردت سارا : "ماذا تريد بعد يا دان أوتا ؟ " . فبدأ دان بالبكاء .
فقالت سارا:
" لا تبكِ !! لا تبكِ !! فأبوك وأمك أوصياني ألاّ تبكي ، افعل ما تشاء " .
: " أريد أن أضع إصبعي في هذه الفتحة التي تحت ذيل الطائر !! " . فقالت سارا :
" إذا فعلت ذلك فسيدعنا الطير نهوي ، و سوف نموت ، لكن لا تبك ، وافعل ما يحلوا لك " . فأدخل دان إصبعه في المكان الذي قال عنه ، عندها طوى الطائر جناحيه ، فسقطت سارة وهي تحمل دان على ظهرها ، وعندما كانا قريبين من الأرض ، بدأت رياح قوية تصفر بزوابعها ، فرأتها سارا وقالت لها : " أيتها الريح !! إننا نسقط ،و بعد قليل سنرتطم بالأرض ، وسنموت إذا لم تنقذيننا " .
فوصلت الريح ، و اختطفت سارا و دان وحملتهما إلى مكان بعيد، ثم ألقت بهما بهدوء على الأرض ، فكان ذلك المكان غابة في إقليم بعيد .
تقدمت سارا مع دان في الغابة وعثرت على طريق .
ومشت فيه ودان على ظهرها ، حتى وصلا إلى مدينة كبيرة وأكبر من كل المدن ، يحيط بها سورٌ كبيرٌ وقويّ ، وفي الجدار كانت بوابة ضخمة من الحديد ، كانت تغلق عند الليل لأنه كل ليلة وبعدما ينقضي النهار بقليل ، كان يظهر شبح مخيف يدعونه " دود/ Dod" ، كان مرتفعاً مثل البغل ، لكنه لم يكن بغلاً ، وكان طويلاً مثل أفعى ضخمة ، لكنه لم يكن أفعى ، كان قوياً مثل الفيل ، لكنه لم يكن فيلاً ،كانت له عينان تتقدان فتضيئان في الليل مثل الشمس في النهار ، وكان له ذنب .
كلّ ليلةٍ ، كان الدود يزحف باتجاه المدينة ، ولهذا السبب أقاموا السور والبوابة الضخمة ، ومن تلك البوابة دخلت سارا تحمل دان على ظهرها ، وخلف السور مباشرة ، والى جانب البوابة ، كانت تسكن امرأة عجوز، فطلبت سارا منها أن تشفق عليهما ، فقبلت العجوز وقالت لهما :
" كلّ ليلةٍ يأتي "دود" المريع أمام المدينة ، ويبدأ بالغناء بصوت قويّ وإذا ردد أحد غناء الدود فإنه يدخل المدينة ، ويقتلنا جميعاً ، فاحذري أن يصرخ دان ، وهذا هو شرطي الوحيد لاستقبالكما " .
سمع دان كلّ شيء ، وفي اليوم التالي ذهبت سارا إلى وسط المدينة ، لتحضر طعاماً ، وفي الأثناء أحضر دان أغصاناً يابسة وقطعا صغيرة من الخشب ، وجدها إلى جانب السور ، وبعد ذلك انطلق باتجاه المدينة ، وكلما رأى حجراً من "الماكودي/ Makodi" ، وهو حجر الصوان الذي يستخدم للجاروشة، كان دان أوتا يأخذه ، وهكذا جمع مائة حجر صوان وبعدها قال :
" تبقّى لي بعض الجمر ، وتابع في المدينة فرأى بعضها ملقى ومهملاً .
وإلى جانب السور الذي كوّم عنده الحطب ، وضع أحجار "الماكودي" وأخفى الجمرات تحتها . ولم يشعر أحد بفعلته هذه .
في الليل قالت سارا له : "ادخل بسرعة إلى البيت يا دان أوتا ، فـ"دود" المرعب سيأتي بعد قليل ، و يمكن أن يقتلنا " .
فأجاب دان أوتا: " هذا اليوم أريد أن أبقى في الخارج " .
قالت سارا :" ادخل إلى البيت " .
وبدأ دان بالبكاء ، لكن سارا بسرعة قالت له:
" يا أخي دان أوتا !! لا تبكِ !! فأبوك وأمك أوصياني ألاّ تبكي ، وإذا أردت البقاء خارج البيت ، فابق " .
دخلت سارا إلى البيت عند العجوز وبقي دان أوتا في الخارج، يجلس أمام بيت العجوز.
كان كلّ سكان المدينة في بيوتهم ، وقد أغلقوا الأبواب عليهم ، وكان دان أوتا هو الاستثناء الوحيد ، فركض إلى المكان الذي كوّم فيه الحطب ، وأشعل فيه النار فصارت أحجار الصوان حمماً متقدة ، وفي هذه اللحظة أحس بقدوم الوحش "دود" ، فصعد دان أوتا على السور ، وشاهد "دود" قادماً من بعيد ، كانت حدقات عينيه تضيئان مثل الشمس ، وسمع دان أوتا "دود" وهو يغني بصوت قوي و مرعب :
: " فوايانني أغارينانا ني "دود " /vuayanni agarinana ni dod " . ومعناها : من يشبهني في هذه المدينة أنا "دود"...
عندما سمع دان أوتا ذلك ، وهو يجلس على الجدار ، فلقد بدأ بالغناء و بكل قوته وجه صوته نحو "دود":
" ناي ياكاي أغارينانا ناي ياكي ني أوتا/ naiyakay agarinana naiyakai ni auta " ومعناها: " أنا أشبهك في هذه المدينة أ نا أوتا " .
عندما سمع "دود" ذلك ، بدأ يقترب من المدينة ، و يقترب ، ويقترب ، فوصل قريباً جداُ ، وصار يغني : " من يشبهني في هذه المدينة أنا "دود" " .
وعندما غنى "دود" ذلك ، بدأت الأشجار تهتز في الغابة ، والأعشاب اليابسة بدأت تشتعل ، لكن أوت أجابه : " أنا من يشبهك في هذه المدينة ، أنا أوتا " .
قفز "دود" عن السور ، ونزل أوتا راكضاً ، وذهب إلى جانب النار التي أشعلها ، فكانت أحجار الصوان تتوهج متقدة .
عندها غنّى الدود ثانية بصوت أكثر رعباً من قبل ، فأجابه دان أوتا مرة ثانية ، بينما كان الناس في المدينة يرتجفون من شدة الخوف والهلع لسماعهم صوت الشبح المريع .
فاستوحش "دود" واستشرس كما لم يكن من قبل ، و بدأ يردد أغنيته ، وعندما فتح فمه وقال :
" فواياننيvuayanni/من يشبهني .... " . قذفه دان أوت بأحجار الصوان العشرة ، فدخلت إلى حلقه . واستمر "دود" ، يريد إكمال أغنيته وقال:
" في هذه المدينة..." . عندها قذفه أوتا بعشرة أحجار اخرى ، فبلع الصوان المتقد ، وهاج ، و بصوت منخفض أتمّ المقطع الأخير من أغنيته : أنا"دود"...
انتهز دان أوتا فتح الشبح لفكيّه ، وأدخل فيها ما تبقى من الصوان المشتعل ، فصار الشبح يتلوى ، ثمّ سقط على الأرض هامداً . فصعد أوتا إلى الجدار وبدأ يغني بصوته الطفولي: " من يشبهني في هذه المدينة ؟ أنا أوتا ".
ونزل عن السور ،وأخذ سكينا كان قد أخرجها من بيت العجوز وأخفاها عن أخته ، وبتلك السكين قطع أوت ذيل الشبح ، وأخفاه في مخلاة ، ودخل بها إلى غرفة العجوز،حيث انسل إلى فراش سارة ونام .
في صباح اليوم التالي ، خرج جميع الناس سكان المدينة من بيوتهم ، أمـّا أرفعهم شأنا ، فلقد ذهبوا للقاء الملك ، الذي سألهم: ما هذا الذي جرى في الليلة الماضية؟ ".
فأجابوه :
" لا نعرف ، لقد كدنا نموت من الخوف، ولقد جرى الحادث قرب السور والبوابة الحديدية " .عندها قال الملك لوزيره المتخصص بشؤون الصيد: " اذهب ، وانظر ماذا حصل " .
ذهب وزير الصيد إلى المكان ، و صعد إلى السور فشاهد "دود" ميتاً . فعاد راكضاً إلى الملك وقال له : " إنّ رجلاّ جباراً قد قتل الدود " . فأراد الملك رؤية ذلك ، وامتطى جواده ، وانطلق إلى السور ،وهناك رأى الشبح ممدداً وقد فارقته الحياة ، فصاح:
" حقاً !! لقد مات الدود !! و قد قُُطعَ ذيلـُه !! احضروا لي الرجل الشجاع الذي قتله " .أحد الرجال ممن كان يمتلك لبوة ، قام بقتلها وقطع ذيلها ، وآخر كان عنده جمل فقد ذبحه وقطع ذيله ، وآخر كانت عنده بقرة فذبحها وقطع ذيلها .
و ذهب كلّ واحد منهم إلى الملك و أبرز ذيل حيوانه وكأنه ذيل "دود" ، لكن الملك عرف الخديعة فقال:
" كلكم مخادعون !! ولم تقتلوا "دود"!! فالدود لم يقتله رجل من المدينة ، أنا والجميع سمعنا صوت طفل " . وسأل: " هل يسكن بالقرب من البوابة الحديدية أيّ طفل غريب؟ ".
فذهب الجنود إلى بيت العجوز وسألوها: " أيتها العجوز !! هل يسكن هنا طفل جاء من الغابة؟ " .
: " يسكن معي سارا وأخيها دان أوتا " .
فتوجه الجنود بالسؤال إلى سارا:
" سارا !! هل كان أوتا الصغير هو من قتل "دود" ؟ " .
أجابت سارا : " أنا لا أعرف شيئاً !! اسألوه هو!! ".
:" دان أوتا !! هل أنت من قتل "دود" ؟، فالملك يريد أن يعرف ذلك " .
لم يجب دان أوتا ، إنما أخذ المخلاة وذهب مع الجنود إلى الملك ، وهناك فتح المخلاة وأخرج ذيل "دود" ، ثم أبرزه إلى الملك ،عندها قال الملك :
" نعم دان أوتا!! دان آوتا هو الذي قتل "دود" المريع " .
وقام الملك بمنح مائة زوجة إلى دان آوتا و مائة حصان و مائة عبد و مائة بقرة ومائة ثوب و مائة نعجة و نصف المدينة .
بالصدفه قرأت هذا الكتاب وأعجبت جداً بمافيه من
اسلوب قصه ممتع فأسمحو لى أن أختلس هذا البوست
لكى أفرد لكم فيه جناحاً من متعة الأحجيات التى ذهبت
مع حنان حبوباتنا لهن الرحمه والمغفره .
دان— أوتا
هذه إحدى الحكايات التي يرويها كبار السن في ليالي الشتاء حول مواقد النار عند القبائل في أراضي مالي الشاسعة .
قبل سنين بعيدة ، في وقت ألقى الزمان به من وراء ظهره ، تزوج رجل من امرأة ، وذهبا وحيدين إلى الغابة ، وهناك زرعا الأرض واستخرجا منها ما يكفي حاجتهما ، وبعد انقضاء سنة ولدت لهما ابنة أسميها "سارا " ، و استمرا وحيدين ، وعندما أصبحت " سارا " شابةً ، جاءهما طفلُ آخر أسمياه "دان—أوتا " .
وبعد فترة مرض الأب فقال لنفسه:" إنني أموت" . ونادى على ابنته سارا وقال لها :
" يبقى " دان أوتا " معك ، لا تتركيه ، وفوق كل شيء اعملي على أن لا يبكي دان أوتا أبداً " . و ما أن قال الأب ذلك حتى مات .
وبعد فترة مرضت الأم وقالت لنفسها :" إنني أموت " . ونادت سارا وقالت أمها لها:
" ليبقى دان أوتا معك ، لا تتركيه ، و فوق أي شيء إياك أن يبكي أبداً " . وماتت الأم بعد أن قالت ذلك .
بقي الطفلان وحيدين في الغابة ، وكان قد تبقى لهما مخزون قليل من الذرة ، ومن الطحين المستخرج من شجرة الخبز ومن الفاصولياء الناشفة ، فقالت سارا : " بهذا لدينا ما يكفينا ، لنأكل إلى أن يصبح دان أوتا رجلاً ويمكنه زراعة الأرض " .
وبدأت سارا تطحن الذرة لتحضّر الطعام، و عندما أصبحت الذرة طحيناً وضعته في إحدى القرعات ، وأخذته إلى الكوخ لتخبزه ، وبعدها خرجت لتبحث عن الحطب ،وقد تركت دان أوتا وحيداً يحبو على الأرض ، وبالكاد يحاول الوقوف على قدميه ، وعندما شعر أوتا بالملل اقترب من القرعة ، فقلبها ، وأخذ جمرة من الموقد ، وخلطها بالطحين . عندما عادت سارا ورأت ما فعله دان أوتا صرخت :
" أي ! يا أخي دان أوتا ماذا فعلت؟! لقد أتلفت طحين طعامنا اليوم !! " .
فبدأ دان أوتا بالبكاء ، لكن سارا قالت في الحال : " لا !! لا تبكِ يا دان أوتأ ، فأبوك وأمّك قالا لي ألا ّ أدعك تبكي أبداً " .
عادت سارا للخروج ، و عاد دان إلى الملل . وعندما رأى الجمرات تتوهج أخذ دان واحدة منها ، و زحف خارج الكوخ ، فأشعل النار في مخزون الذرة وفي طحين شجرة الخبز والفاصولياء ،عندها وصلت سارا ورأت كلّ شيء ، وقد أكلته النار فصرخت :
" أي !! يا أخي دان !! ماذا فعلت ؟ لقد حرقت كلّ شيء كان عندنا لنأكله !! كيف سنعيش الآن؟ " .
وعندما سمعها دان ، بدأ بالبكاء ، لكن سارا قالت له بسرعة: " يا أخي دان أوتا لا تبكِ لقد أوصاني أبوك وأمك ألاّ تبكي أبداً ،وها أنت قد أحرقت كل ما كان عندنا ، لا بأس ، تعال لنرى ماذا نفعل لنأكل " .
وضعت سارا دان على ظهرها ، وربطته بثوبها وانطلقت نحو الغابة ، فعثرت على طريق مشت فيه حتى وصلت إلى إحدى المدن ، فوجدت نفسها في حي الملك ، وهناك استقبلتهما الزوجة الأولى للملك ، وأبقتهما ليسكنا معها ، و صارت تقدم لهما الطعام يومياً .
كانت سارا دائماً تحمل دان أوتا على ظهرها ، فأخذت النساء الأخريات يسألنها :
" سارا لماذا تحملين دان على ظهرك دائماً ؟ لماذا لا تضعيه على الأرض و تتركيه يلعب مع الأطفال الآخرين؟ " .
فأجابت سارا:
" دعوني وحالي فان أبي وأمي أوصياني ألاّ يبكي أبداً ، وعندما أحمله على ظهري فإنه لا يبكي ، عليّ أن أحرص ألاّ يبكي " .
لكن دان أوتا في يوم من الأيام قال لسارا : " أريد أن ألعب مع إبن الملك " .
فوضعته سارا على الأرض ، و أخذ دان يلعب مع ابن الملك ، تناولت سارا جرّة وخرجت لتبحث عن الماء ، وفي الأثناء أخذ ابن الملك غصنًا فأخذ دان غصناً أخر وبدأ الاثنان يلعبان بالأعواد ، فقلع دان إحدى عيون ابن الملك والذي ارتمى سريعاً على الأرض .
في هذه اللحظة كانت سارا قد وصلت ، ورأت دان و قد اقتلع عين ابن الملك . لم يكن أحدٌ هناك ، لكن ابن الملك بدأ يصرخ، فتركت سارا الجرّة ، وأخذت دان اوتا و خرجت من حي الملك ، ومن ثم خرجت من المدينة كلها بما أمكنها من عجلة .
لم يكن أحدٌ موجوداً عندما اقتلع دان عين ابن الملك ، لكن الطفل استمر بالبكاء والصراخ فسمعه الملك وسأل:
" لماذا يبكي ابني؟ " .
خرجت نساؤه ليرين ماذا حدث ، وعندما لاحظن المصيبة ، أخذن بالصراخ فسمع الملك صرخات زوجاته الأربعين ، فهرع إلى المكان .
: " ما هذا؟ من فعل ذلك؟ " . سأل الملك . فأجابه ابنه: " إنه دان أوتا " .
قال الملك لحراسه: " اخرجوا ، اذهبوا في كل أرجاء المدينة ، ابحثوا عن سارا و دان أوتا " .
انطلق الحراس وبحثوا في كل بيت ، لكنهم لم يجدوا ضالتهم، فجمع الملك كل ناسه وكل جنوده الراجلين المشاة والخيالة وقال لهم :
" لقد هربت سارا ومعها أخوها دان أوتا من المدينة ، فابحثوا عنهما في الغابة ، وأنا سأذهب بنفسي مع الخيالة للبحث عنهما " .
لقد مضى يومان متتاليان على سارا وهي تمشي ، ودان أوتا على ظهرها ، ولم تقو بعد ، لكنها رأت من بعيد الملك وجنوده قادمين ، وكان بالقرب منها شجرة ضخمة، فقالت سارا لنفسها :
" سأصعد هذه الشجرة ، وهكذا يمكنني الاختباء بين أوراقها " .
وصعدت إلى الشجرة يرافقها دان على ظهرها ،واختبآ بين الخضرة الكثيفة ، وبعد قليل وصل الملك وجنوده إلى الشجرة فقال الملك :
" لقد امتطيت خيلي ليومين وأنا متعب ، ضعوا كرسيّ الخيزران تحت هذه الشجرة ، أريد أن أرتاح " .
نفذّ الجنود ما آمر به الملك ، واسترخى الملك على كرسيه تحت الغصن الذي تجلس عليه سارا ودان أوتا .
تململ دان أوتا ، لكنه شاهد الملك في الأسفل فقال : "سارا ! سارا !" .
: " اسكت يا دان أوتا !! اسكت!!". فبدأ دان بالبكاء ، وأخذت سارا تقول له : " لا تبكِ يا دان أوتا !! لا تبكِ فأبوك وأمك قالا لي : ألاّ تبكِ أبداً ، فقل ما تشاء " .
فقال دان أوتا :
" سارا أريد أن "أسوي بيبي" ، أن أبول على رأس الملك ".
فغضبت سارا و قالت : " أي يا دان أوتا !! سوف يقتلنا إذا فعلت ذلك " . فبدأ دان بالبكاء .
فقالت سارا له : لا تبكِ ،وافعل ما تشاء " .
وفعل دان ما يريد ، وسقط السائل على رأس الملك ، الذي وضع يده على رأسه ، وتحسس الشيء الذي سقط على رأسه وقال : " هذا براز !! " . فنظر الملك إلى أعلى ، و رأى سارا و دان أوتا . فصرخ :
" احضروا الفؤوس ، وقصوا الشجرة " . فركض رجاله ، و جلبوا الفؤوس ، وبدؤوا يضربون على جذع الشجرة .
أخذت الشجرة تهتز ، وازدادت ضرباتهم القوية ، فانحنت الشجرة ، عندها قالت سارا :" الآن سيقبضون علينا ، وسوف يقتلوننا " .
في الحال انطلق طائر عملاق فوق الغابة ، وجاء ليحطّ على الشجرة التي كانت سارة ودان يختبئان فيها ، شاهدت سارا الطير و هو يقترب فقالت :
" يا طائري العملاق إن رجال الملك سيقتلونني أنا و دان آخي ، إذا أنت لم تنقذنا " .
سمع الطير العملاق ما قالته سارا ، فاقترب منها ومن أخيها ، فوضعت سارا دان على ظهرها ، لكن الشجرة سقطت في الحال ، فالتقط الطائر سارا وأخيها وطار بهما عالياً فوق الغابة ، واستمر بالتحليق عالياً . نظر دان إلى الطائر، فلاحظ أنه يحرك ذيله كأنه مقود، فتمتع برؤية ذلك ، لكنه بعد قليل تململ وقال : " سارا ! سارا ! " .
ردت سارا : "ماذا تريد بعد يا دان أوتا ؟ " . فبدأ دان بالبكاء .
فقالت سارا:
" لا تبكِ !! لا تبكِ !! فأبوك وأمك أوصياني ألاّ تبكي ، افعل ما تشاء " .
: " أريد أن أضع إصبعي في هذه الفتحة التي تحت ذيل الطائر !! " . فقالت سارا :
" إذا فعلت ذلك فسيدعنا الطير نهوي ، و سوف نموت ، لكن لا تبك ، وافعل ما يحلوا لك " . فأدخل دان إصبعه في المكان الذي قال عنه ، عندها طوى الطائر جناحيه ، فسقطت سارة وهي تحمل دان على ظهرها ، وعندما كانا قريبين من الأرض ، بدأت رياح قوية تصفر بزوابعها ، فرأتها سارا وقالت لها : " أيتها الريح !! إننا نسقط ،و بعد قليل سنرتطم بالأرض ، وسنموت إذا لم تنقذيننا " .
فوصلت الريح ، و اختطفت سارا و دان وحملتهما إلى مكان بعيد، ثم ألقت بهما بهدوء على الأرض ، فكان ذلك المكان غابة في إقليم بعيد .
تقدمت سارا مع دان في الغابة وعثرت على طريق .
ومشت فيه ودان على ظهرها ، حتى وصلا إلى مدينة كبيرة وأكبر من كل المدن ، يحيط بها سورٌ كبيرٌ وقويّ ، وفي الجدار كانت بوابة ضخمة من الحديد ، كانت تغلق عند الليل لأنه كل ليلة وبعدما ينقضي النهار بقليل ، كان يظهر شبح مخيف يدعونه " دود/ Dod" ، كان مرتفعاً مثل البغل ، لكنه لم يكن بغلاً ، وكان طويلاً مثل أفعى ضخمة ، لكنه لم يكن أفعى ، كان قوياً مثل الفيل ، لكنه لم يكن فيلاً ،كانت له عينان تتقدان فتضيئان في الليل مثل الشمس في النهار ، وكان له ذنب .
كلّ ليلةٍ ، كان الدود يزحف باتجاه المدينة ، ولهذا السبب أقاموا السور والبوابة الضخمة ، ومن تلك البوابة دخلت سارا تحمل دان على ظهرها ، وخلف السور مباشرة ، والى جانب البوابة ، كانت تسكن امرأة عجوز، فطلبت سارا منها أن تشفق عليهما ، فقبلت العجوز وقالت لهما :
" كلّ ليلةٍ يأتي "دود" المريع أمام المدينة ، ويبدأ بالغناء بصوت قويّ وإذا ردد أحد غناء الدود فإنه يدخل المدينة ، ويقتلنا جميعاً ، فاحذري أن يصرخ دان ، وهذا هو شرطي الوحيد لاستقبالكما " .
سمع دان كلّ شيء ، وفي اليوم التالي ذهبت سارا إلى وسط المدينة ، لتحضر طعاماً ، وفي الأثناء أحضر دان أغصاناً يابسة وقطعا صغيرة من الخشب ، وجدها إلى جانب السور ، وبعد ذلك انطلق باتجاه المدينة ، وكلما رأى حجراً من "الماكودي/ Makodi" ، وهو حجر الصوان الذي يستخدم للجاروشة، كان دان أوتا يأخذه ، وهكذا جمع مائة حجر صوان وبعدها قال :
" تبقّى لي بعض الجمر ، وتابع في المدينة فرأى بعضها ملقى ومهملاً .
وإلى جانب السور الذي كوّم عنده الحطب ، وضع أحجار "الماكودي" وأخفى الجمرات تحتها . ولم يشعر أحد بفعلته هذه .
في الليل قالت سارا له : "ادخل بسرعة إلى البيت يا دان أوتا ، فـ"دود" المرعب سيأتي بعد قليل ، و يمكن أن يقتلنا " .
فأجاب دان أوتا: " هذا اليوم أريد أن أبقى في الخارج " .
قالت سارا :" ادخل إلى البيت " .
وبدأ دان بالبكاء ، لكن سارا بسرعة قالت له:
" يا أخي دان أوتا !! لا تبكِ !! فأبوك وأمك أوصياني ألاّ تبكي ، وإذا أردت البقاء خارج البيت ، فابق " .
دخلت سارا إلى البيت عند العجوز وبقي دان أوتا في الخارج، يجلس أمام بيت العجوز.
كان كلّ سكان المدينة في بيوتهم ، وقد أغلقوا الأبواب عليهم ، وكان دان أوتا هو الاستثناء الوحيد ، فركض إلى المكان الذي كوّم فيه الحطب ، وأشعل فيه النار فصارت أحجار الصوان حمماً متقدة ، وفي هذه اللحظة أحس بقدوم الوحش "دود" ، فصعد دان أوتا على السور ، وشاهد "دود" قادماً من بعيد ، كانت حدقات عينيه تضيئان مثل الشمس ، وسمع دان أوتا "دود" وهو يغني بصوت قوي و مرعب :
: " فوايانني أغارينانا ني "دود " /vuayanni agarinana ni dod " . ومعناها : من يشبهني في هذه المدينة أنا "دود"...
عندما سمع دان أوتا ذلك ، وهو يجلس على الجدار ، فلقد بدأ بالغناء و بكل قوته وجه صوته نحو "دود":
" ناي ياكاي أغارينانا ناي ياكي ني أوتا/ naiyakay agarinana naiyakai ni auta " ومعناها: " أنا أشبهك في هذه المدينة أ نا أوتا " .
عندما سمع "دود" ذلك ، بدأ يقترب من المدينة ، و يقترب ، ويقترب ، فوصل قريباً جداُ ، وصار يغني : " من يشبهني في هذه المدينة أنا "دود" " .
وعندما غنى "دود" ذلك ، بدأت الأشجار تهتز في الغابة ، والأعشاب اليابسة بدأت تشتعل ، لكن أوت أجابه : " أنا من يشبهك في هذه المدينة ، أنا أوتا " .
قفز "دود" عن السور ، ونزل أوتا راكضاً ، وذهب إلى جانب النار التي أشعلها ، فكانت أحجار الصوان تتوهج متقدة .
عندها غنّى الدود ثانية بصوت أكثر رعباً من قبل ، فأجابه دان أوتا مرة ثانية ، بينما كان الناس في المدينة يرتجفون من شدة الخوف والهلع لسماعهم صوت الشبح المريع .
فاستوحش "دود" واستشرس كما لم يكن من قبل ، و بدأ يردد أغنيته ، وعندما فتح فمه وقال :
" فواياننيvuayanni/من يشبهني .... " . قذفه دان أوت بأحجار الصوان العشرة ، فدخلت إلى حلقه . واستمر "دود" ، يريد إكمال أغنيته وقال:
" في هذه المدينة..." . عندها قذفه أوتا بعشرة أحجار اخرى ، فبلع الصوان المتقد ، وهاج ، و بصوت منخفض أتمّ المقطع الأخير من أغنيته : أنا"دود"...
انتهز دان أوتا فتح الشبح لفكيّه ، وأدخل فيها ما تبقى من الصوان المشتعل ، فصار الشبح يتلوى ، ثمّ سقط على الأرض هامداً . فصعد أوتا إلى الجدار وبدأ يغني بصوته الطفولي: " من يشبهني في هذه المدينة ؟ أنا أوتا ".
ونزل عن السور ،وأخذ سكينا كان قد أخرجها من بيت العجوز وأخفاها عن أخته ، وبتلك السكين قطع أوت ذيل الشبح ، وأخفاه في مخلاة ، ودخل بها إلى غرفة العجوز،حيث انسل إلى فراش سارة ونام .
في صباح اليوم التالي ، خرج جميع الناس سكان المدينة من بيوتهم ، أمـّا أرفعهم شأنا ، فلقد ذهبوا للقاء الملك ، الذي سألهم: ما هذا الذي جرى في الليلة الماضية؟ ".
فأجابوه :
" لا نعرف ، لقد كدنا نموت من الخوف، ولقد جرى الحادث قرب السور والبوابة الحديدية " .عندها قال الملك لوزيره المتخصص بشؤون الصيد: " اذهب ، وانظر ماذا حصل " .
ذهب وزير الصيد إلى المكان ، و صعد إلى السور فشاهد "دود" ميتاً . فعاد راكضاً إلى الملك وقال له : " إنّ رجلاّ جباراً قد قتل الدود " . فأراد الملك رؤية ذلك ، وامتطى جواده ، وانطلق إلى السور ،وهناك رأى الشبح ممدداً وقد فارقته الحياة ، فصاح:
" حقاً !! لقد مات الدود !! و قد قُُطعَ ذيلـُه !! احضروا لي الرجل الشجاع الذي قتله " .أحد الرجال ممن كان يمتلك لبوة ، قام بقتلها وقطع ذيلها ، وآخر كان عنده جمل فقد ذبحه وقطع ذيله ، وآخر كانت عنده بقرة فذبحها وقطع ذيلها .
و ذهب كلّ واحد منهم إلى الملك و أبرز ذيل حيوانه وكأنه ذيل "دود" ، لكن الملك عرف الخديعة فقال:
" كلكم مخادعون !! ولم تقتلوا "دود"!! فالدود لم يقتله رجل من المدينة ، أنا والجميع سمعنا صوت طفل " . وسأل: " هل يسكن بالقرب من البوابة الحديدية أيّ طفل غريب؟ ".
فذهب الجنود إلى بيت العجوز وسألوها: " أيتها العجوز !! هل يسكن هنا طفل جاء من الغابة؟ " .
: " يسكن معي سارا وأخيها دان أوتا " .
فتوجه الجنود بالسؤال إلى سارا:
" سارا !! هل كان أوتا الصغير هو من قتل "دود" ؟ " .
أجابت سارا : " أنا لا أعرف شيئاً !! اسألوه هو!! ".
:" دان أوتا !! هل أنت من قتل "دود" ؟، فالملك يريد أن يعرف ذلك " .
لم يجب دان أوتا ، إنما أخذ المخلاة وذهب مع الجنود إلى الملك ، وهناك فتح المخلاة وأخرج ذيل "دود" ، ثم أبرزه إلى الملك ،عندها قال الملك :
" نعم دان أوتا!! دان آوتا هو الذي قتل "دود" المريع " .
وقام الملك بمنح مائة زوجة إلى دان آوتا و مائة حصان و مائة عبد و مائة بقرة ومائة ثوب و مائة نعجة و نصف المدينة .
عبدالله حسن بشير- مشرف عام المنتدي الثقافي
- عدد المساهمات : 337
تاريخ التسجيل : 04/07/2009
العمر : 51
الموقع : السعوديه ــ حفرالباطن
رد: حكايات وأساطير عالميه
وتوته توته خلصت الحدوتة
بجد كانت حكاية حلوة شديد والله
سلمت يداك
بجد كانت حكاية حلوة شديد والله
سلمت يداك
بنت نمر- شنداوي مميز
- عدد المساهمات : 313
تاريخ التسجيل : 05/02/2010
العمر : 36
الموقع : الخرطوم
رد: حكايات وأساطير عالميه
قصه جميله00بالرغم من الظلم اللي وقع على ( سارا )00
والله مسكينه إتحملت كتيييير عشان ( دان أوتا) مايبكي00وتنفذ وصية أبوها وأمها ( الحقارين )
وكنت متصوره في نهاية القصه المكافأه تكون ل ( سارا ) مش ل( دان أوتا )00
تسلم أخ عبدالله
زيزو- مشرف عام حواء شندي
- عدد المساهمات : 687
تاريخ التسجيل : 03/01/2010
الموقع : المملكه العربيه السعوديه /الرياض
رد: حكايات وأساطير عالميه
شكراً أختى بنت نمر يسلم زوقك وأقول ليك معليش أنا شفيت منك اللون البنفسجى لأنو عجبنى فى مشاركاتك .
شكراً أختى زيزو فعلاً كلامك صحيح مفروض تكون المكافأه لساره
وكلامك ده فى حد زاتو مكافأه لها بالاضافه لحب وتقدير كل من يقراء الحكايه لكونها صانت واحترمت ونفذت رغبة والديها بعد موتهم .
شكراً أختى زيزو فعلاً كلامك صحيح مفروض تكون المكافأه لساره
وكلامك ده فى حد زاتو مكافأه لها بالاضافه لحب وتقدير كل من يقراء الحكايه لكونها صانت واحترمت ونفذت رغبة والديها بعد موتهم .
عبدالله حسن بشير- مشرف عام المنتدي الثقافي
- عدد المساهمات : 337
تاريخ التسجيل : 04/07/2009
العمر : 51
الموقع : السعوديه ــ حفرالباطن
رد: حكايات وأساطير عالميه
الحكايه التانيه حجيتكم مابجيتكم
وخيراً جانا وجاكم
الأصيل ابن الأصول
خلال زمن طويل كانت عائلة "الأردو" هي التي تحكم بلاد الفلوبيس* .وكان "غوربو—ديكي" الشاب القوي تنحدر سلالته من تلك العائلة النبيلة ، ولأنه لم يكن الإبن البكر ، لم تكن له مدينة يحكمها ، لهذا كان يمضي هائما في بلاد الـ"بام مانا/ Bammana" وبمزاجه المعكر ينشر المعاناة بين سكانها ، فجعلهم يخشون بطشه بشدة لأنه كان قاسياً و عنيفاً .
كان الباممانيون المرعوبون يستعجلون تدبير الأمر ، فنادوا على" ألآل" المدرع مرافق "غوربو — ديكي" وقالوا له :
" أنت الوحيد الذي يمكنه إقناع البلدة ، ويا ليتك تقدر أن تجعل "غوربو—ديكي" يرحل عن البلاد !! فسوف نعطيك كمية جيدة من الذهب " .
وبعد انقضاء عدة أسابيع قال" ألآل" لـ"غوربا ديكي": اسمع !! البامانا لم يفعلوا شيئا سيئا لك حتى تعاملهم بهذه الطريقة ، ولو كنت بمكانك ، لذهبت إلى عائلة الفلوبيس ليعطوني مملكة " .
: " لديك حق— قال غوروبا - لكن أية مدينة تريدني أن اختارها ؟ ". فسأله المدرّع : " ما هو رأيك لو أنك تذهب إلى بلاد "ساريام" التي يحكمها حمّادي أردو؟ " .
قال غوروبو: " يبدو لي حسنا ، هيا بنا إلى هناك " .
ووصلا قريبا من "ساريام" وفي قرية في الضواحي توقفوا عند بيت فلاح حرّاث .
قال غوربو لحامل الدرع : "ابق أنت هنا مؤقتاً ، وأنا أريد أن أرى المدينة لوحدي أولاً " .
خلع الملابس الفارهة ، وطلب من الفلاح ملابس عمل قديمة ، ارتداها وتوجه نحو المدينة ، و أول شيء فعله تحدث مع حداد وقال له :
" أنا من "الفلوبيس" وأحوالي سيئة الآن ، ومقابل القليل من الطعام أنا مستعد لمعاونتك في العمل ".
قال الحداد:
" لم لا !! هل تريد أن تعمل بالكير ؟ ".
قال غوروبو : " سأقوم بذلك بامتنان كبير " .
وبينما هو يشتغل سال الحداد : " من هو حاكم هذه المدينة ؟ " .
: "هنا يحكم حمّادي من عائلة آردو" . أجاب الحداد .
: " وهل عند حمّادي الأردو خيول ؟ ".
: " نعم !! -قال الحداد- لديه الكثير من الخيول ،إنه ثري جداً ولديه أيضا ثلاث بنات . اثنتان متزوجتان من اثنين من الفلوبيس ، وهما فارسان شجاعان ، أمّا البنت الصغرى واسمها "كودي أردو" فهي أجمل فتيات الفلوبيس في البلاد ، فهي تضع في إصبعها البنصر خاتما من الفضة ، وتقول إنها لن تتزوج إلا بالرجل الذي يدخل الخاتم في البنصر من أصابعه ، وتقول : " إن الرجل الفلوبي الحقيقي يجب أن تكون أطرافه ناعمة وأصابعه لطيفة ".
في اليوم التالي ، وكما في كل الأيام تجمع صفوة من شباب الفلوبيس أمام بيت "حمّادي أردو" ، فخرجت ابنة الملك الصغرى والفاتنة الجمال من البيت ، وسحبت الخاتم الفضي من بنصرها ، ثم بحثت بين الرجال الحضور عمن يدخل الخاتم في بنصره .
تمكن بعضهم من إدخاله بصعوبة حتى العقدة الأولى من الإصبع ، وبعضهم أوصله إلى العقدة الثانية ، لكن ، أي منهم لم يتمكن من إدخاله كلياً ، عندها فقد الملك "حمّادي أردو" صبره وقال لابنته : "عليك بالزواج من أيّ من الحضور " .
الحداد الذي كان يشتغل عنده "غوربو ديكي" سمع تلك الكلمات وقال:
" في بيتي يعمل رجل ملابسه رثة ، لكن علامات الفلوبيس تبدو واضحة عليه " .
: " احضر الرجل لي—قال الملك—وليجرب خاتم ابنتي ".
ذهب الحداد ليحضر غوربو وقال له: " تعال حالاً !! الملك يريد التحدث معك " .
ذهب غوربو بملابسه الرثة مع الحداد إلى الساحة ، حيث كان هناك الملك حمّادي أردو وجميع الشخصيات المعتبرة .
سأله حمّادي أردو: " هل أنت فلوبيس ؟ " .
أجاب غوربو: " نعم أنا فلوبي " .
: " ما اسمك؟ ".
أجاب غوربو ديكي: " لا اقدر على ذكره ".
فقال الملك : " جرب إدخال هذا الخاتم في البنصر من أصابع يدك ".
أخذ غوربو الخاتم ، وأدخله في إصبعه فاستقر الخاتم بسهولة .
: " أنت من سيتزوج من ابنتي " - قال الملك- فأخذت "كودي أردو" تبكي ، ثم قالت :
" لا أريد الزواج من هذا الفلاح ، من هذا الرجل البشع والقذر ، وبقيت كودو تبكي طوال النهار ، لكنها اضطرت أخيراً للزواج من الرجل البشع والقذر ، وأقيمت مراسيم الزواج .
في أحد الأيام حدثت حرب بين الملك والطوارق ، وتمكن الطوارق من الاستيلاء على ماشية الملك حمّادي ومواشي مدينة ساريام .
تسلح جميع سكان المدينة ، وخرجوا خلف الطوارق ، بينما غوربو كان جالساً في احدى زوايا المدينة ، فقال الملك له:
" ألا تريد أن تمتطي حصانا وتأتي معنا إلى الحرب ؟ " .
: " أن امتطي حصانا !! أنا لم اركب حصاناً في حياتي، أنا ابن ناسٍ فقراء ، وإذا أعطيتموني جحشاً فربما أقدر على ركوبه" . فصارت "كودي أردو" تبكي .
ركب غوربو على الجحش ، وذهب باتجاهٍ معاكسٍ لوجهة للمحاربين ، فقالت "كوردو" وهي تبكي:
" آه !! يا أبتي!! آه!! يا أبتي أي حظ تعس!! جلبته لي من تزويجك لي من هذا الرجل؟ " .
لقد ذهب غوربو ديكي إلى بيت الفلاح الذي كان قد ترك خيله هناك ، و سلاحه و درعه ، قفز عن الجحش وقال:
" يا ألآل !! لقد تزوجت ".
: " ماذا؟ تزوجت؟!! ممن تزوجت؟؟ " .
: "تزوجت أجمل نساء المدينة إنها ابنة الملك "حمّادي أردو" .
: " ماذا ؟! كيف حصلت على هذا الحظ الكبير ؟ ".
: " نعم !!-- قال غوربو—لكن يوجد هناك شيء آخر ، لقد سطا الطوارق على ماشية حماي ، فبسرعة البس وتسلح واسرج الخيل علي أن أتقدمَ الجميع ، واختصرَ الطريق " .
فحضّر المدرّع كلّ شيء وسأله : " هل يمكنني مرافقتك؟ " .
قال "غروبو ديكي" : " لا !! ليس اليوم " .
وانطلق بسرعة كبيرة حتى تمكن من اللحاق بهم فشاهده اثنان من أنسباء الملك حمّادي ، وشاهده جميع الفلوبيس وهو على حصانه السريع ، يقطع الحقول المجاورة فقال نسيب للنسيب الأخر:
" يبدو إنه "تشينار المستبد" ، وسيكون لصالحنا لو يقف إلى جانبنا فنفوز بالمعركة ، علينا أن نتحدث معه .
واتجه عدد من المحاربين نحو غوربو وسألوه : " إلى أين تذهب؟ ما هو غرضك؟ ".
: " اذهبُ إلى أين تكون هناك حرب ، وأساعد من يحلو لي " .
:" أنت !! ألست َ أنت تشينار !!؟ ".
: " نعم ، أنا تشينار " .
:" هل تريد مساعدتنا ؟ ".
:" كم عدد أنسباء الملك الذين يسيرون معكم؟ " .
: " اثنان " .
:" إذا دفع كلً واحدٍ منهما أذنه لي فسوف أساعدكم ".
:" هذا ليس ممكنا ً!! ماذا سيقال في المدينة؟ " .
:" انه بسيط جداً- قال غوربو- فليقولوا إنهم فقدوها في المعركة فهذا يحدث عادة ، وكذلك لأشرف الناس " .
مضى الرجال على خيولهم نحو المكان الذي يتجمع فيه الآخرون ، وقصّوا ما سمعوه على نسيبي الملك .
في البداية لم يوافقا ، وفيما بعد وافقا على أن تقطع أذناً واحدة من كل واحد منهم ، وبعثوا بهما إلى غوربو .
خبّـأ غوربو الأذنين في جيبه ، و تقدم إلى رأس القوات وهو يقول :
:" لا تقولوا إن "تشينار" قد ساعدكم " .
: " لا !! لا !! لا لن نقول " ، أجاب الفلوبيس .
لحقوا بالطوارق، وتحاربوا معهم ، فربح الفلوبيس الحرب ، ابتعد غوربو، ومضى على خيله نحو بيت الفلاح الذي يختبأ عنده رجله المدرع ،وهناك ترجل عن الحصان ، وخلع ملابسه والسلاح ، وارتدى الملابس الرثة ، وركب الجحش وعاد إلى المدينة .
وفي طريقه إلى هناك ، وفي طرقات " ساريما " رآه الحداد الذي أمّن له المأوى في اليوم الأول ، فقال له :
"لا تدق باب بيتي!! أنت لست فلوبيس!! أنت زنديق !! أو عبد !! أنت لست محارباً ولا فلوبياً !!".
وفي الأثناء عاد الفلوبين مبتهجين منتصرين ، ومعهم القطعان التي استردوها ، وقد خرج الناس سعداء ليحييوهم ، وكذلك خرج الملك لاستقبالهم ، وقال:
" لا يزال هنا محاربون شجعان ، لا يزال هنا فلوبيس ، هل عاد الجرحى؟ " .
أحد نسائب الملك قال: " عندما انطلقت إلى المعركة واجهني أحد الطوارق ، وكان ضخماً جداً فضربني بسيفه ، فأبعدت رأسي فقطع السيف أذني ، وبفضل ذلك فإنني قد نجوت " .
قال الصهر الثاني :
" عندما كنت أهاجم في الجانب الآخر أحد الطوارق ، وكان قصيراً ، فسارعني من الأسفل بطعنة من سيفه الطويل على عنقي، وكاد أن يقطع رأسي ، لكنني انحنيت فاخذ أذني " .
قال الملك حمّادي :
" إن سماع مثل هذه الأمور يفرح الروح ، أنتم أبطال ، لكن قولوا لي : ألم تشاهدوا صهري الثالث؟ " .
: " آه ذاك!! منذ البداية اتخذ اتجاه معاكساً . قال الجميع ذلك وهم يهزأون .
وفي هذه اللحظة كان "غوربو" يأتي من الجانب الثاني ، يركب على الجحش ، وعندما اقترب منهم ، سرّح الدابة فراحت تخبب .
وعند رؤيته قادماً بهذه الهيئة المسيئة بدأت "كودو" بالبكاء بمرارة ، وهي تقول:
" يا أبتي!! يا أبتي!! أية تعاسة جلبتها لي!! " .
خلال الاحتفال كان صفوة الفلوبيس يجلسون على شكل دائرة ، يروون ما فعلوه ، فسمعهم "غوربو" من احدى الزوايا ،غقال أحدهم:
" عندما جندلت أول واحد على مرأى من الأعداء...." .
وقال الثاني :
"عندما استوليت على الخيول... ".
وقال ثالث :
" نعم فأنتم لستم مثل زوج "كودي أردو" فأنتم أبطال بحق وحقيق " .
كان النسيبان الاثنان يكرران نفس الرواية عن فقدانهم لآذانهم في المعركة . وكان غوربو هناك في الجانب يستمع إلى كل شيء ،وفي جيبه كانت الأذنان .
وعندما حلّ الليل ذهب إلى البيت فقالت "كوردو" له :
"أنت جبان !! " .
في اليوم التالي هاجم الطوارق المدينة بأعداد كبيرة ، وعند مشاهدتهم من بعيد اجتمع كل رجال المدينة القادرين على حمل السلاح ، وركب غوربو الجحش، ثم انسل خفية من المدينة ، فأخذت الناس تصيح : " انظروا إلى هناك!! إلى نسيب الملك!! كيف يهرب نسيب الملك ؟ " .
وبدأت "كوردو" تبكي وتقول: " يا أبتي!! يا أبتي!! أية تعاسة جلبت لي!! ".
ذهب غوربو إلى بيت الفلاح الذي ترك ملابسه عنده وحصانه وسلاحه ، وعندما وصل قفز عن الجحش وقال لرجله المدرع :
" بسرعة! بسرعة! هيئ لي خيلي وأشيائي ، فاليوم هناك تطورات مهمة ، لقد هاجم الطوارق المدينة بأعداد كبيرة جداً ، ولا يوجد هناك من يعرف كيف يصدونهم " .
: " وهل يمكنني مرافقتك؟ ". سأل " ألآل" .
قال "غوربو ديكي ": "لا ، ليس اليوم " .
ارتدى ثيابه الجيدة ، وأخذ سلاحه ، و وثب إلى حصانه ، وانطلق على وقع الحوافر القوية والسريعة .
في الأثناء كان الطوارق قد اقتربوا كثيراً ، و هاجموا المدينة حتى انهم تمكنوا من دخولها ، وقسم منهم تقدم باتجاه قصر الملك .
وصل غوربو في الوقت المناسب ، اخترق صفوف الطوارق يضرب بسيفه يميناً وشمالاً . لقد وصل في اللحظة الحاسمة إلى قصر حماه .
في تلك اللحظة ، كان بعض الطوارق يحاصرون "كودو أردو" ، يريدون سبيها ، وعندما رأت "كودي أردو" الفارس الفولبي الشجاع يصل ، استغاثت بصوت عال:
" يا آخي العظيم!! تعال و خلصني !! لقد فرّ زوجي بجبن وخسة " .
وبرمح طويل أبعد "غوربو" أحد الطوارق ، وجرح طوارقياً آخر ، لكن أحدهم تمكن من جرحه قبل أن يفروا جميعهم ، وعندما رأت "كودي أردو" الجرح البالغ والخطير صاحت : " أوآه أيها الأخ العظيم !! لقد أنقذتني ، لكنك أُصبت " .
مزقت نصف ثوبها ، وربطت بالقماش فخذه النازف .
وفي الحال خرج "غوربو" من هناك وهجم على الطوارق ، يضربهم بسيفه في كل الاتجاهات ، ويجعلهم يفرّون ، عندها خرج الفلوبيس يلاحقونهم ، لكن غوربو ذهب الى بيت الفلاح ، حيث هناك رجله المدرع "ألآل " ، وهناك ربط الحصان وخلع ملابسه و سلاحه ، ثم ارتدى ملابسه الرثة ، وعاد إلى المدينة وهو يركب الجحش .
وعندما رآه الحداد الذي كان قد استقبله أول مرة من قبل صاح الحداد:
" انظروا إلى هذا البائس! الزنديق! هذا الكلب الأجرب! هذا الجبان ! هيا أسرع بالمرور من جانب بيتي !! " .
فقال غوربو: " ماذا تريد؟ منذ أن جئت إلى هنا وأنا أقول إنني ابن ناسٍٍٍٍ فقراء " .
وبعد أن قال ذلك ، سرّح الجحش واتجه إلي الساحة الكبيرة ، حيث كان هناك عدد كبير من الفلوبيس مجتمعين في مجلس الملك حمّادي ، يتحدثون عما جرى ذلك اليوم وكانت كودو بينهم .
عندما وصل غوربو بهيئته البائسة ، بدأت كودو تبكي و تقول : " آه ياأبتي آه يا أبتي أية تعاسة جلبت لي!! فلقد كان من بين الفلوبيس رجال أكثر شجاعة وفروسية " .
فقال غوربو :
" منذ اليوم الأول لزواجنا قلت لك : إنني ابن ناسٍٍ فقراء ، وقلت لأبيك : إنني لا أفهم في الخيول ولا في الحروب " .
فأخذت كودو تبكي وتقول: " جبان! بائس ! خوّاف!" .
وجلس غوربو غير مبالٍ في إحدى الزوايا .
حلّ الليل و ذهب الفوليبس إلى بيوتهم ، ولم تقدر كودو على النوم ، كانت تفكر في زوجها الجبان وفي الفارس الشجاع الذي أنقذها ، وفي منتصف الليل نظرت إلى مكان نوم زوجها ، فشاهدت آثار دماء ، كانت تنزّ من ربطةٍٍٍ على فخذه ، والربطة كانت قطعة من ثوبها الذي مزقته من أجل إسعاف الفارس الشجاع .
كانت الربطة مشدودة على فخذ زوجها الذي عاد راكبا على الجحش ، فنهضت كودو وسألت زوجها:
" قل لي : من أين جاءتك هذه الجرح؟ " .
فرد عليها غوربو:
" خمّني " .
فسألت كودو:
"من قصّ الثوبَ لربط جرحك؟ " .
قال غوربو: " خمّني " .
فسألت كودو: " من تكون أنت؟ " .
فقال غوربو :
" ابن أحد الملوك ، لكن لا تقولي شيئاً الآن ، قومي و حضّري زبدة لتضعيها على جراحي " .
أحضرت كودو الزبدة ، وسخنتها ثم صبّتها على الجرح وربطتها ، وبعدها خرجت لترى أمها ، فجلست إلى جوارها ،وبدأت تبكي وتقول:
" زوجي ليس جباناً ، لم يهرب ، إنه الرجل الذي أنقذ اليوم المدينة من الطوارق ، لكن لا تقولي ذلك لأحد " . وانسلت بصمت .
في اليوم التالي عاد غوربي يركب الجحش ، وذهب إلى بيت الفلاح الذي ترك فيه رجله المدرع وأسلحته وثيابه و حصانه.
: " الآل !! قال لرجله المدرع ، لقد حل اليوم الذي علينا فيه أن نقدم أنفسنا إلى ساريام وإلى الملك العظيم حمّادي ، اسرج خيلي وخيلك أيضا ".
وارتدى غوربو ثيابه الفارهة ،وأخذ سلاحه ،ودخل ساريام ممتطيا حصانه يتبعه الرجل المدرع .
توقف في الساحة الكبيرة ، حيث كانت أعداد من الفلوبيس مجتمعين . غرس المدرّع قطعتين رائعتين من الفضة ليربط بهما رسن الخيل .
نادى غوربو على زوجته التي جاءت في الحال و حيّاها مبتسماً وبعدها اتجه نحو الفلوبيس وقال:
أنا غوربو ديكي وهذه زوجتي كودي أردو ، أنا ابن أحد الملوك ، أنا من هزم الطوارق البارحة وأول البارحة .
: " لا أصدق ذلك " . قال الملك .
فرد عليه غوربو: " اسأل من كان معي في القتال " .
فقال الجميع:
" هل هذا صحيح ؟ لقد رأيناك تفرّ دائما على الجحش " .
لكن نسيبي الملك فقط هما اللذان قالا : " لسنا متأكدين " .
عندها أخرج غوربو الأذنين من جيوبه ، و قال :
" هل تعرفون هذين الأذنين؟ " .
اخفض الاثنان رأسيهما ولم يقولا كلمة واحدة .
اقترب الملك من غوربو ، وركع أمامه قائلا: " اعذرني ، وهاك المُلكُ من يدي " . فقال غوربو:
" أيها الملك حمّادي أردو ، أنا لست أقل منك ، أنا أيضاً ابن عائلة من الأردو ، و بما أنني أصبحت ملكاً فإنني آمر بإحضار الحدّاد الذي هزّأني وسخر مني لمرات عدة . آمر أن يجلد مائة سوط على إليته .
وهذا ما حصل أوعك تقولى (حقار) يازيزو هههههههههه
وخيراً جانا وجاكم
الأصيل ابن الأصول
خلال زمن طويل كانت عائلة "الأردو" هي التي تحكم بلاد الفلوبيس* .وكان "غوربو—ديكي" الشاب القوي تنحدر سلالته من تلك العائلة النبيلة ، ولأنه لم يكن الإبن البكر ، لم تكن له مدينة يحكمها ، لهذا كان يمضي هائما في بلاد الـ"بام مانا/ Bammana" وبمزاجه المعكر ينشر المعاناة بين سكانها ، فجعلهم يخشون بطشه بشدة لأنه كان قاسياً و عنيفاً .
كان الباممانيون المرعوبون يستعجلون تدبير الأمر ، فنادوا على" ألآل" المدرع مرافق "غوربو — ديكي" وقالوا له :
" أنت الوحيد الذي يمكنه إقناع البلدة ، ويا ليتك تقدر أن تجعل "غوربو—ديكي" يرحل عن البلاد !! فسوف نعطيك كمية جيدة من الذهب " .
وبعد انقضاء عدة أسابيع قال" ألآل" لـ"غوربا ديكي": اسمع !! البامانا لم يفعلوا شيئا سيئا لك حتى تعاملهم بهذه الطريقة ، ولو كنت بمكانك ، لذهبت إلى عائلة الفلوبيس ليعطوني مملكة " .
: " لديك حق— قال غوروبا - لكن أية مدينة تريدني أن اختارها ؟ ". فسأله المدرّع : " ما هو رأيك لو أنك تذهب إلى بلاد "ساريام" التي يحكمها حمّادي أردو؟ " .
قال غوروبو: " يبدو لي حسنا ، هيا بنا إلى هناك " .
ووصلا قريبا من "ساريام" وفي قرية في الضواحي توقفوا عند بيت فلاح حرّاث .
قال غوربو لحامل الدرع : "ابق أنت هنا مؤقتاً ، وأنا أريد أن أرى المدينة لوحدي أولاً " .
خلع الملابس الفارهة ، وطلب من الفلاح ملابس عمل قديمة ، ارتداها وتوجه نحو المدينة ، و أول شيء فعله تحدث مع حداد وقال له :
" أنا من "الفلوبيس" وأحوالي سيئة الآن ، ومقابل القليل من الطعام أنا مستعد لمعاونتك في العمل ".
قال الحداد:
" لم لا !! هل تريد أن تعمل بالكير ؟ ".
قال غوروبو : " سأقوم بذلك بامتنان كبير " .
وبينما هو يشتغل سال الحداد : " من هو حاكم هذه المدينة ؟ " .
: "هنا يحكم حمّادي من عائلة آردو" . أجاب الحداد .
: " وهل عند حمّادي الأردو خيول ؟ ".
: " نعم !! -قال الحداد- لديه الكثير من الخيول ،إنه ثري جداً ولديه أيضا ثلاث بنات . اثنتان متزوجتان من اثنين من الفلوبيس ، وهما فارسان شجاعان ، أمّا البنت الصغرى واسمها "كودي أردو" فهي أجمل فتيات الفلوبيس في البلاد ، فهي تضع في إصبعها البنصر خاتما من الفضة ، وتقول إنها لن تتزوج إلا بالرجل الذي يدخل الخاتم في البنصر من أصابعه ، وتقول : " إن الرجل الفلوبي الحقيقي يجب أن تكون أطرافه ناعمة وأصابعه لطيفة ".
في اليوم التالي ، وكما في كل الأيام تجمع صفوة من شباب الفلوبيس أمام بيت "حمّادي أردو" ، فخرجت ابنة الملك الصغرى والفاتنة الجمال من البيت ، وسحبت الخاتم الفضي من بنصرها ، ثم بحثت بين الرجال الحضور عمن يدخل الخاتم في بنصره .
تمكن بعضهم من إدخاله بصعوبة حتى العقدة الأولى من الإصبع ، وبعضهم أوصله إلى العقدة الثانية ، لكن ، أي منهم لم يتمكن من إدخاله كلياً ، عندها فقد الملك "حمّادي أردو" صبره وقال لابنته : "عليك بالزواج من أيّ من الحضور " .
الحداد الذي كان يشتغل عنده "غوربو ديكي" سمع تلك الكلمات وقال:
" في بيتي يعمل رجل ملابسه رثة ، لكن علامات الفلوبيس تبدو واضحة عليه " .
: " احضر الرجل لي—قال الملك—وليجرب خاتم ابنتي ".
ذهب الحداد ليحضر غوربو وقال له: " تعال حالاً !! الملك يريد التحدث معك " .
ذهب غوربو بملابسه الرثة مع الحداد إلى الساحة ، حيث كان هناك الملك حمّادي أردو وجميع الشخصيات المعتبرة .
سأله حمّادي أردو: " هل أنت فلوبيس ؟ " .
أجاب غوربو: " نعم أنا فلوبي " .
: " ما اسمك؟ ".
أجاب غوربو ديكي: " لا اقدر على ذكره ".
فقال الملك : " جرب إدخال هذا الخاتم في البنصر من أصابع يدك ".
أخذ غوربو الخاتم ، وأدخله في إصبعه فاستقر الخاتم بسهولة .
: " أنت من سيتزوج من ابنتي " - قال الملك- فأخذت "كودي أردو" تبكي ، ثم قالت :
" لا أريد الزواج من هذا الفلاح ، من هذا الرجل البشع والقذر ، وبقيت كودو تبكي طوال النهار ، لكنها اضطرت أخيراً للزواج من الرجل البشع والقذر ، وأقيمت مراسيم الزواج .
في أحد الأيام حدثت حرب بين الملك والطوارق ، وتمكن الطوارق من الاستيلاء على ماشية الملك حمّادي ومواشي مدينة ساريام .
تسلح جميع سكان المدينة ، وخرجوا خلف الطوارق ، بينما غوربو كان جالساً في احدى زوايا المدينة ، فقال الملك له:
" ألا تريد أن تمتطي حصانا وتأتي معنا إلى الحرب ؟ " .
: " أن امتطي حصانا !! أنا لم اركب حصاناً في حياتي، أنا ابن ناسٍ فقراء ، وإذا أعطيتموني جحشاً فربما أقدر على ركوبه" . فصارت "كودي أردو" تبكي .
ركب غوربو على الجحش ، وذهب باتجاهٍ معاكسٍ لوجهة للمحاربين ، فقالت "كوردو" وهي تبكي:
" آه !! يا أبتي!! آه!! يا أبتي أي حظ تعس!! جلبته لي من تزويجك لي من هذا الرجل؟ " .
لقد ذهب غوربو ديكي إلى بيت الفلاح الذي كان قد ترك خيله هناك ، و سلاحه و درعه ، قفز عن الجحش وقال:
" يا ألآل !! لقد تزوجت ".
: " ماذا؟ تزوجت؟!! ممن تزوجت؟؟ " .
: "تزوجت أجمل نساء المدينة إنها ابنة الملك "حمّادي أردو" .
: " ماذا ؟! كيف حصلت على هذا الحظ الكبير ؟ ".
: " نعم !!-- قال غوربو—لكن يوجد هناك شيء آخر ، لقد سطا الطوارق على ماشية حماي ، فبسرعة البس وتسلح واسرج الخيل علي أن أتقدمَ الجميع ، واختصرَ الطريق " .
فحضّر المدرّع كلّ شيء وسأله : " هل يمكنني مرافقتك؟ " .
قال "غروبو ديكي" : " لا !! ليس اليوم " .
وانطلق بسرعة كبيرة حتى تمكن من اللحاق بهم فشاهده اثنان من أنسباء الملك حمّادي ، وشاهده جميع الفلوبيس وهو على حصانه السريع ، يقطع الحقول المجاورة فقال نسيب للنسيب الأخر:
" يبدو إنه "تشينار المستبد" ، وسيكون لصالحنا لو يقف إلى جانبنا فنفوز بالمعركة ، علينا أن نتحدث معه .
واتجه عدد من المحاربين نحو غوربو وسألوه : " إلى أين تذهب؟ ما هو غرضك؟ ".
: " اذهبُ إلى أين تكون هناك حرب ، وأساعد من يحلو لي " .
:" أنت !! ألست َ أنت تشينار !!؟ ".
: " نعم ، أنا تشينار " .
:" هل تريد مساعدتنا ؟ ".
:" كم عدد أنسباء الملك الذين يسيرون معكم؟ " .
: " اثنان " .
:" إذا دفع كلً واحدٍ منهما أذنه لي فسوف أساعدكم ".
:" هذا ليس ممكنا ً!! ماذا سيقال في المدينة؟ " .
:" انه بسيط جداً- قال غوربو- فليقولوا إنهم فقدوها في المعركة فهذا يحدث عادة ، وكذلك لأشرف الناس " .
مضى الرجال على خيولهم نحو المكان الذي يتجمع فيه الآخرون ، وقصّوا ما سمعوه على نسيبي الملك .
في البداية لم يوافقا ، وفيما بعد وافقا على أن تقطع أذناً واحدة من كل واحد منهم ، وبعثوا بهما إلى غوربو .
خبّـأ غوربو الأذنين في جيبه ، و تقدم إلى رأس القوات وهو يقول :
:" لا تقولوا إن "تشينار" قد ساعدكم " .
: " لا !! لا !! لا لن نقول " ، أجاب الفلوبيس .
لحقوا بالطوارق، وتحاربوا معهم ، فربح الفلوبيس الحرب ، ابتعد غوربو، ومضى على خيله نحو بيت الفلاح الذي يختبأ عنده رجله المدرع ،وهناك ترجل عن الحصان ، وخلع ملابسه والسلاح ، وارتدى الملابس الرثة ، وركب الجحش وعاد إلى المدينة .
وفي طريقه إلى هناك ، وفي طرقات " ساريما " رآه الحداد الذي أمّن له المأوى في اليوم الأول ، فقال له :
"لا تدق باب بيتي!! أنت لست فلوبيس!! أنت زنديق !! أو عبد !! أنت لست محارباً ولا فلوبياً !!".
وفي الأثناء عاد الفلوبين مبتهجين منتصرين ، ومعهم القطعان التي استردوها ، وقد خرج الناس سعداء ليحييوهم ، وكذلك خرج الملك لاستقبالهم ، وقال:
" لا يزال هنا محاربون شجعان ، لا يزال هنا فلوبيس ، هل عاد الجرحى؟ " .
أحد نسائب الملك قال: " عندما انطلقت إلى المعركة واجهني أحد الطوارق ، وكان ضخماً جداً فضربني بسيفه ، فأبعدت رأسي فقطع السيف أذني ، وبفضل ذلك فإنني قد نجوت " .
قال الصهر الثاني :
" عندما كنت أهاجم في الجانب الآخر أحد الطوارق ، وكان قصيراً ، فسارعني من الأسفل بطعنة من سيفه الطويل على عنقي، وكاد أن يقطع رأسي ، لكنني انحنيت فاخذ أذني " .
قال الملك حمّادي :
" إن سماع مثل هذه الأمور يفرح الروح ، أنتم أبطال ، لكن قولوا لي : ألم تشاهدوا صهري الثالث؟ " .
: " آه ذاك!! منذ البداية اتخذ اتجاه معاكساً . قال الجميع ذلك وهم يهزأون .
وفي هذه اللحظة كان "غوربو" يأتي من الجانب الثاني ، يركب على الجحش ، وعندما اقترب منهم ، سرّح الدابة فراحت تخبب .
وعند رؤيته قادماً بهذه الهيئة المسيئة بدأت "كودو" بالبكاء بمرارة ، وهي تقول:
" يا أبتي!! يا أبتي!! أية تعاسة جلبتها لي!! " .
خلال الاحتفال كان صفوة الفلوبيس يجلسون على شكل دائرة ، يروون ما فعلوه ، فسمعهم "غوربو" من احدى الزوايا ،غقال أحدهم:
" عندما جندلت أول واحد على مرأى من الأعداء...." .
وقال الثاني :
"عندما استوليت على الخيول... ".
وقال ثالث :
" نعم فأنتم لستم مثل زوج "كودي أردو" فأنتم أبطال بحق وحقيق " .
كان النسيبان الاثنان يكرران نفس الرواية عن فقدانهم لآذانهم في المعركة . وكان غوربو هناك في الجانب يستمع إلى كل شيء ،وفي جيبه كانت الأذنان .
وعندما حلّ الليل ذهب إلى البيت فقالت "كوردو" له :
"أنت جبان !! " .
في اليوم التالي هاجم الطوارق المدينة بأعداد كبيرة ، وعند مشاهدتهم من بعيد اجتمع كل رجال المدينة القادرين على حمل السلاح ، وركب غوربو الجحش، ثم انسل خفية من المدينة ، فأخذت الناس تصيح : " انظروا إلى هناك!! إلى نسيب الملك!! كيف يهرب نسيب الملك ؟ " .
وبدأت "كوردو" تبكي وتقول: " يا أبتي!! يا أبتي!! أية تعاسة جلبت لي!! ".
ذهب غوربو إلى بيت الفلاح الذي ترك ملابسه عنده وحصانه وسلاحه ، وعندما وصل قفز عن الجحش وقال لرجله المدرع :
" بسرعة! بسرعة! هيئ لي خيلي وأشيائي ، فاليوم هناك تطورات مهمة ، لقد هاجم الطوارق المدينة بأعداد كبيرة جداً ، ولا يوجد هناك من يعرف كيف يصدونهم " .
: " وهل يمكنني مرافقتك؟ ". سأل " ألآل" .
قال "غوربو ديكي ": "لا ، ليس اليوم " .
ارتدى ثيابه الجيدة ، وأخذ سلاحه ، و وثب إلى حصانه ، وانطلق على وقع الحوافر القوية والسريعة .
في الأثناء كان الطوارق قد اقتربوا كثيراً ، و هاجموا المدينة حتى انهم تمكنوا من دخولها ، وقسم منهم تقدم باتجاه قصر الملك .
وصل غوربو في الوقت المناسب ، اخترق صفوف الطوارق يضرب بسيفه يميناً وشمالاً . لقد وصل في اللحظة الحاسمة إلى قصر حماه .
في تلك اللحظة ، كان بعض الطوارق يحاصرون "كودو أردو" ، يريدون سبيها ، وعندما رأت "كودي أردو" الفارس الفولبي الشجاع يصل ، استغاثت بصوت عال:
" يا آخي العظيم!! تعال و خلصني !! لقد فرّ زوجي بجبن وخسة " .
وبرمح طويل أبعد "غوربو" أحد الطوارق ، وجرح طوارقياً آخر ، لكن أحدهم تمكن من جرحه قبل أن يفروا جميعهم ، وعندما رأت "كودي أردو" الجرح البالغ والخطير صاحت : " أوآه أيها الأخ العظيم !! لقد أنقذتني ، لكنك أُصبت " .
مزقت نصف ثوبها ، وربطت بالقماش فخذه النازف .
وفي الحال خرج "غوربو" من هناك وهجم على الطوارق ، يضربهم بسيفه في كل الاتجاهات ، ويجعلهم يفرّون ، عندها خرج الفلوبيس يلاحقونهم ، لكن غوربو ذهب الى بيت الفلاح ، حيث هناك رجله المدرع "ألآل " ، وهناك ربط الحصان وخلع ملابسه و سلاحه ، ثم ارتدى ملابسه الرثة ، وعاد إلى المدينة وهو يركب الجحش .
وعندما رآه الحداد الذي كان قد استقبله أول مرة من قبل صاح الحداد:
" انظروا إلى هذا البائس! الزنديق! هذا الكلب الأجرب! هذا الجبان ! هيا أسرع بالمرور من جانب بيتي !! " .
فقال غوربو: " ماذا تريد؟ منذ أن جئت إلى هنا وأنا أقول إنني ابن ناسٍٍٍٍ فقراء " .
وبعد أن قال ذلك ، سرّح الجحش واتجه إلي الساحة الكبيرة ، حيث كان هناك عدد كبير من الفلوبيس مجتمعين في مجلس الملك حمّادي ، يتحدثون عما جرى ذلك اليوم وكانت كودو بينهم .
عندما وصل غوربو بهيئته البائسة ، بدأت كودو تبكي و تقول : " آه ياأبتي آه يا أبتي أية تعاسة جلبت لي!! فلقد كان من بين الفلوبيس رجال أكثر شجاعة وفروسية " .
فقال غوربو :
" منذ اليوم الأول لزواجنا قلت لك : إنني ابن ناسٍٍ فقراء ، وقلت لأبيك : إنني لا أفهم في الخيول ولا في الحروب " .
فأخذت كودو تبكي وتقول: " جبان! بائس ! خوّاف!" .
وجلس غوربو غير مبالٍ في إحدى الزوايا .
حلّ الليل و ذهب الفوليبس إلى بيوتهم ، ولم تقدر كودو على النوم ، كانت تفكر في زوجها الجبان وفي الفارس الشجاع الذي أنقذها ، وفي منتصف الليل نظرت إلى مكان نوم زوجها ، فشاهدت آثار دماء ، كانت تنزّ من ربطةٍٍٍ على فخذه ، والربطة كانت قطعة من ثوبها الذي مزقته من أجل إسعاف الفارس الشجاع .
كانت الربطة مشدودة على فخذ زوجها الذي عاد راكبا على الجحش ، فنهضت كودو وسألت زوجها:
" قل لي : من أين جاءتك هذه الجرح؟ " .
فرد عليها غوربو:
" خمّني " .
فسألت كودو:
"من قصّ الثوبَ لربط جرحك؟ " .
قال غوربو: " خمّني " .
فسألت كودو: " من تكون أنت؟ " .
فقال غوربو :
" ابن أحد الملوك ، لكن لا تقولي شيئاً الآن ، قومي و حضّري زبدة لتضعيها على جراحي " .
أحضرت كودو الزبدة ، وسخنتها ثم صبّتها على الجرح وربطتها ، وبعدها خرجت لترى أمها ، فجلست إلى جوارها ،وبدأت تبكي وتقول:
" زوجي ليس جباناً ، لم يهرب ، إنه الرجل الذي أنقذ اليوم المدينة من الطوارق ، لكن لا تقولي ذلك لأحد " . وانسلت بصمت .
في اليوم التالي عاد غوربي يركب الجحش ، وذهب إلى بيت الفلاح الذي ترك فيه رجله المدرع وأسلحته وثيابه و حصانه.
: " الآل !! قال لرجله المدرع ، لقد حل اليوم الذي علينا فيه أن نقدم أنفسنا إلى ساريام وإلى الملك العظيم حمّادي ، اسرج خيلي وخيلك أيضا ".
وارتدى غوربو ثيابه الفارهة ،وأخذ سلاحه ،ودخل ساريام ممتطيا حصانه يتبعه الرجل المدرع .
توقف في الساحة الكبيرة ، حيث كانت أعداد من الفلوبيس مجتمعين . غرس المدرّع قطعتين رائعتين من الفضة ليربط بهما رسن الخيل .
نادى غوربو على زوجته التي جاءت في الحال و حيّاها مبتسماً وبعدها اتجه نحو الفلوبيس وقال:
أنا غوربو ديكي وهذه زوجتي كودي أردو ، أنا ابن أحد الملوك ، أنا من هزم الطوارق البارحة وأول البارحة .
: " لا أصدق ذلك " . قال الملك .
فرد عليه غوربو: " اسأل من كان معي في القتال " .
فقال الجميع:
" هل هذا صحيح ؟ لقد رأيناك تفرّ دائما على الجحش " .
لكن نسيبي الملك فقط هما اللذان قالا : " لسنا متأكدين " .
عندها أخرج غوربو الأذنين من جيوبه ، و قال :
" هل تعرفون هذين الأذنين؟ " .
اخفض الاثنان رأسيهما ولم يقولا كلمة واحدة .
اقترب الملك من غوربو ، وركع أمامه قائلا: " اعذرني ، وهاك المُلكُ من يدي " . فقال غوربو:
" أيها الملك حمّادي أردو ، أنا لست أقل منك ، أنا أيضاً ابن عائلة من الأردو ، و بما أنني أصبحت ملكاً فإنني آمر بإحضار الحدّاد الذي هزّأني وسخر مني لمرات عدة . آمر أن يجلد مائة سوط على إليته .
وهذا ما حصل أوعك تقولى (حقار) يازيزو هههههههههه
عبدالله حسن بشير- مشرف عام المنتدي الثقافي
- عدد المساهمات : 337
تاريخ التسجيل : 04/07/2009
العمر : 51
الموقع : السعوديه ــ حفرالباطن
رد: حكايات وأساطير عالميه
الحكايه الثالثه : حجيتكم مابجيتكم
وخيراً جانا وجاكم .
بلاد النيجر
في شمال غرب أفريقيا وبين حدود الصحراء وغابات النيجر وفي قرى من أكواخ مدورة ،هناك، يعيش فلاحون الفلوبيس* Flubes ، الذين يتقاسمون السهل الكبير مع قبائل متنقلة من طوارق وعرب و أفارقة .
في كل المنطقة تلك تم اكتشاف آثار مدن ، وأنقاض وأسوار وقلاع كعلامات عن حضارة قديمة ومزدهرة ، قد تقوضت واختفت .
شعب الفولبيس المكون من رجال لهم سحنة قمحية وذكاء حاد متخصص بالرعي وزراعة الحقول و أعمال أخرى .
ويمثل شعب الفولبيس تأكيداً كبيراً لأولئك الذين في أزمان أخرى ، صنعوا واحدة من أهم الحضارات الإفريقية والمثيرة للفضول .
وإلى جانب الآثار والأنقاض ، فلقد تم اكتشاف والتقاط أساطير وحكايات قيّمة عن الحب والفروسية ، رغم أن شعب تلك المنطقة كباقي شعوب أفريقيا قد عانى من استعمار القوى الغاشمة .
سامبا غانا*
في مدينة " واغنا Wagna " كانت الملكة " أناليا- تو-باري/
Analia Tu-bari" ، وكان والدها هو أمير واغنا وسيد قرى كثيرة ، وفي إحدى المرات خاض حرباً مع أمير عدو انهزم فيها والد " أناليا " ، فتم تجريده من ممتلكاته ، وكان عليه أن يسلّم احدى قراه ، لكن كبرياءه لم يسمح له بتحمل ذلك ، فمات كمداً وغماً و ورثت أناليا كلّ المملكة عن أبيها .
حضر أعدادٌ كبيرة من الفرسان إلى مدينة "واغنا" ، يطلبون يدها للزواج ، لكن " أناليا " كانت تحزم بطلبها ، ليس فقط أن يستردوا القرية الضائعة ، إنما ثمانين مدينة أخرى !! لكن لا أحد من الفرسان تجرأ على هذا المهر الحربي .
ومرّت السنوات وفقدت " أناليا " كل سعادتها ، ومع أنها كانت تزداد جمالاً في كل يوم ، إلا أنها كانت تزداد حزناً
في بلدٍ مجاورٍ كان لأميرها ولدٌ يدعى "سامبا - غانا" ، وعندما كبر هجر مدينة أبيه حسب عادات البلد ، وخرج ليحتل أراض ٍ ومدن ٍ أخرى ، كي يقيم عليها مملكته .
كان "سامبا- غانا" شابا مبتهجاً دائماً ، وقد خرج سعيداً من مدينة والده يرافقه اثنان مدرعان .
أعلن سامبا الحرب على أمير مدينة و تحدّاه إلى منازلة فتصارع الاثنان ، والمدينة كلها تشاهدهم ، وأخيراً انتصر "سامبا غانا " فطلب الأمير المهزوم منه أن يعفوعن حياته ، ويقدم له مدينته . فبدأ سامبا يضحك ويقول:
" ابق َ مع مدينتك فهي لا تهمني ".
تابع " سامبا " طريقه ، وهزم الأمراء واحداً تلو الأخر ، و دائماً كان يعيد كلّ ما يحصل عليه بفوزه إلى كل أميرٍ مهزوم ، ويقول له:
" ابقَ مع مدينتك فمدينتك لا تهمني ".
تمكن " سامبا غانا "من هزيمة كل أمراء البلاد ، ومع ذلك لم يكن يملك أرضاً ولا مدينة ، لأنه بعد كل انتصاراته كان يعيد كلَّ شيءٍ ، ويمضي ضاحكاً مبتهجاً و حالماً .
وفي يوم كان يرتاح فيه مع مرافقه عند ضفاف نهر النيجر ، غنّى المرافق الأغنية الرائعة لـ"أناليا- تو- باري" ، و المليئة بالحزن وعزلة الأميرة .
قال المرافق : " الرجل الذي سيحظى بـ"أناليا" وسيجعلها تضحك هو فقط ذاك الفارس الذي سيسترد ثمانين مدينة "
عندما سمع "سامبا غانا" ذلك وثب بقفزة سريعة ، وصاح : " هيا يا أصحاب العضلات اسرجوا الخيول !! هيا بنا إلى بلاد أناليا- تو- باري ".
انطلق سامبا بمسيرة مع المرافقين المدرعين ، واستمروا أياماً وليالي يمتطون الجياد يوماً ،حتى وصلوا إلى مدينة
" أناليا تو باري " ، فرأى "سامبا غانا" امرأةً رائعةَ الجمال وشديدة الحزن . فقال لها : " أناليا أنا سأسترد المدن الثمانين ". وقرر أن ينطلق في مسيرة ثانية .
قال لمرافقه : "ابق هنا مع أناليا ،غنّ لها وروّحها عن نفسها ، اجعلها تضحك ". فبقي المرافق في مدينة "أناليا توباري " ، وكلّ يومٍ صار يغني لـ"أناليا " أغنيات عن أبطال بلادها ، وعن مدنها ، وعن أفاعي النهر التي تجعل مستوى المياه يرتفع ، فتجعل الناس يخزنون الأرز لسبع سنوات ويبقون جائعين لسبع سنين أخرى .
وكانت اناليا تستمع له ، بينما " سامبا غانا " كان يقطع الأمصار ، ويحارب الأمراء واحداً تلو الآخر . فأخضع ثمانين أميراً ، ولكلّ مهزومٍ منهم كان يقول :
" عليك الحضور أمام أناليا توباري ، وأن تقول لها : إن مدينتك صارت لها ".
ذهب الأمراء الثمانون يرافقهم أعداد كبيرة من المحاربين إلى مدينة "واغانا" ، وسكنوا هناك ، فأخذت مدينة أناليا تتسع وتتسع ، إلى أن أصبحت ملكة على الأمراء والمحاربين في كل الأمصار .
قال سامبا غانا لها: " كل شيء تمنيته قد أصبح ملكا ً لك ".
فقالت أناليا : " لقد وفّيت بوعدك ،سأكون زوجتك ".
فقال سامبا غانا :
" لماذا أنت حزينة؟ إنني لن أتزوج منك إلا عندما تعود البسمة إليك ، وأراك تضحكين ".
قالت أناليا : " لقد كان عار والدي المهزوم يبعث الحزن فيّ ، والآن لا أقدر على الضحك ، لأنني لم أجد أحداً يقدر على اتمام رغبتي " .
قال سامبا غانا: " أشيري عليّ ماذا عليّ أن أفعل ؟ " .
قالت : " اقتل الأفعى التي في النهر !! فهي تأخذ الخيرات لسنة كاملة فيكون هناك مجاعة لسنة كاملة ، وأنا سأكون سعيدة لقتلها " .
قال سامبا : " لم يجرأ أحدٌ على ذلك ، لكنني سأقوم به " .
اتجه سامبا غانا مع رجاله الثلاثة نحو النهر، و بحث عن الأفعى واستمر في المسير والبحث ، فوصل إلى مدينة فلم يعثر على الأفعى، واستمر يمشي مع النهر ويبحث عن الأفعى ، فوصل إلى مدينة أخرى ولم يجدها !
واستمر في البحث إلى أن عثر عليها أخيراً ، وبدأ يتصارع معها !! وفي النهاية انهزمت الأفعى وكذلك سامبا غانا !!
كان تيار النهر يأخذهما من جهة إلى جهة ، ويمر بين الجبال ، ثم يفتح أراض ويدخل فيها .
استمر الصراع ثماني سنوات بين سامبا والأفعى ، وفي العام الثامن هزمها . وخلال هذا الوقت كسر سامبا ثمانمائة رمح وثمانين سيفاً ، و أخذ أحد الرماح المليئ بالدم فأعطاه إلى مرافقه قائلا :
" خذها إلى أناليا ، وقل لها : إنني هزمت الأفعى ، وانظر إليها جيداً لترها إن كانت ستضحك " .
عاد المرافق وسلّم هدية سامبا غانا ، وعندما سمع سامبا كلام أناليا قال: هذا عظيم جداً .
أخذ سامبا السيف المبلل بالدم و غرسه في صدره وضحك مرة ثانية قبل أن يسقط ميتاً .
أخذ المرافق السيف المدمي ، و امتطى الخيل ، ومضى باتجاه أناليا ،وعند الوصول قال لها :
" هذا سيف سامبا غانا ، والدم الذي عليه هو دم الأفعى و دم سامبا الذي ضحك لآخر مرة " .
جمعت أناليا كلّ الأمراء والمحاربين في المدينة ، وامتطت خيلها ، فامتطى الجميع خيولهم ، وتبعوها نحو البلد الذي مات فيه سامبا غانا .
وصلت أناليا إلى المكان الذي كانت فيه جثة سامبا غانا وقالت:
" لقد كان بطلاً عظيماً ، ليس له مثيل عند من سبقوه ، أقيموا له ضريحاً ، وليكن الأعلى بين أضرحة الملوك والأمراء والأبطال " .
وبدأ العمل لذلك ، فحفر الأرض رجالٌ حاصل عددهم هو ثمانية أضعاف الرقم ثمانمائة .
ونفس العدد من الرجال قاموا ببناء الضريح ،و كذلك الرقم من الرجال قاموا بتجميع التراب فوق الضريح ، و رصرصوها ثم أحرقوها فظهر هرمٌ كبير .
عند كل غروب كانت أناليا وأمراؤها و رجالها المحاربون يصعدون إلى قمة الهرم وكل مساء كان المرافق يغني أغنية البطل ، وعند كل صباح كلّما كانت أناليا تستيقظ كانت تقول:
" الهرم ليس عالياً بما يكفي ، يجب رفعه كي تُرى منه كلُّ مملكة واغانا " .
ثمانية أضعاف العدد ثمانمائة من الرجال حفروا الأرض ورصرصوها ثم حرقوها .
وطوال ثمانية أعوام كان الهرم يكبر و يطول ويرتفع ، ومع نهاية العام الثامن نظر المرافق بعينيه الدائريتين وقال: "يا أناليا توباري اليوم يمكنك رؤية "واغنا"..
نظرت أناليا نحو الغرب وقالت: " ها أنا أرى "واغنا" و ضريح سامبا غانا هو العظمة التي يستحقها اسمه " .
وضحكت أناليا !! نعم ضحكت كثيراً !! وقالت:
" الآن انفصلوا أيها الأمراء ، تفرقوا في أنحاء الأرض ، و كونوا أبطالاً مثل سامبا غانا " .
وضحكت أناليا مرة ثانية قبل أن تسقط ميتة ، ويدفنوها في سرداب الهرم إلى جانب سامبا غانا .
وخيراً جانا وجاكم .
بلاد النيجر
في شمال غرب أفريقيا وبين حدود الصحراء وغابات النيجر وفي قرى من أكواخ مدورة ،هناك، يعيش فلاحون الفلوبيس* Flubes ، الذين يتقاسمون السهل الكبير مع قبائل متنقلة من طوارق وعرب و أفارقة .
في كل المنطقة تلك تم اكتشاف آثار مدن ، وأنقاض وأسوار وقلاع كعلامات عن حضارة قديمة ومزدهرة ، قد تقوضت واختفت .
شعب الفولبيس المكون من رجال لهم سحنة قمحية وذكاء حاد متخصص بالرعي وزراعة الحقول و أعمال أخرى .
ويمثل شعب الفولبيس تأكيداً كبيراً لأولئك الذين في أزمان أخرى ، صنعوا واحدة من أهم الحضارات الإفريقية والمثيرة للفضول .
وإلى جانب الآثار والأنقاض ، فلقد تم اكتشاف والتقاط أساطير وحكايات قيّمة عن الحب والفروسية ، رغم أن شعب تلك المنطقة كباقي شعوب أفريقيا قد عانى من استعمار القوى الغاشمة .
سامبا غانا*
في مدينة " واغنا Wagna " كانت الملكة " أناليا- تو-باري/
Analia Tu-bari" ، وكان والدها هو أمير واغنا وسيد قرى كثيرة ، وفي إحدى المرات خاض حرباً مع أمير عدو انهزم فيها والد " أناليا " ، فتم تجريده من ممتلكاته ، وكان عليه أن يسلّم احدى قراه ، لكن كبرياءه لم يسمح له بتحمل ذلك ، فمات كمداً وغماً و ورثت أناليا كلّ المملكة عن أبيها .
حضر أعدادٌ كبيرة من الفرسان إلى مدينة "واغنا" ، يطلبون يدها للزواج ، لكن " أناليا " كانت تحزم بطلبها ، ليس فقط أن يستردوا القرية الضائعة ، إنما ثمانين مدينة أخرى !! لكن لا أحد من الفرسان تجرأ على هذا المهر الحربي .
ومرّت السنوات وفقدت " أناليا " كل سعادتها ، ومع أنها كانت تزداد جمالاً في كل يوم ، إلا أنها كانت تزداد حزناً
في بلدٍ مجاورٍ كان لأميرها ولدٌ يدعى "سامبا - غانا" ، وعندما كبر هجر مدينة أبيه حسب عادات البلد ، وخرج ليحتل أراض ٍ ومدن ٍ أخرى ، كي يقيم عليها مملكته .
كان "سامبا- غانا" شابا مبتهجاً دائماً ، وقد خرج سعيداً من مدينة والده يرافقه اثنان مدرعان .
أعلن سامبا الحرب على أمير مدينة و تحدّاه إلى منازلة فتصارع الاثنان ، والمدينة كلها تشاهدهم ، وأخيراً انتصر "سامبا غانا " فطلب الأمير المهزوم منه أن يعفوعن حياته ، ويقدم له مدينته . فبدأ سامبا يضحك ويقول:
" ابق َ مع مدينتك فهي لا تهمني ".
تابع " سامبا " طريقه ، وهزم الأمراء واحداً تلو الأخر ، و دائماً كان يعيد كلّ ما يحصل عليه بفوزه إلى كل أميرٍ مهزوم ، ويقول له:
" ابقَ مع مدينتك فمدينتك لا تهمني ".
تمكن " سامبا غانا "من هزيمة كل أمراء البلاد ، ومع ذلك لم يكن يملك أرضاً ولا مدينة ، لأنه بعد كل انتصاراته كان يعيد كلَّ شيءٍ ، ويمضي ضاحكاً مبتهجاً و حالماً .
وفي يوم كان يرتاح فيه مع مرافقه عند ضفاف نهر النيجر ، غنّى المرافق الأغنية الرائعة لـ"أناليا- تو- باري" ، و المليئة بالحزن وعزلة الأميرة .
قال المرافق : " الرجل الذي سيحظى بـ"أناليا" وسيجعلها تضحك هو فقط ذاك الفارس الذي سيسترد ثمانين مدينة "
عندما سمع "سامبا غانا" ذلك وثب بقفزة سريعة ، وصاح : " هيا يا أصحاب العضلات اسرجوا الخيول !! هيا بنا إلى بلاد أناليا- تو- باري ".
انطلق سامبا بمسيرة مع المرافقين المدرعين ، واستمروا أياماً وليالي يمتطون الجياد يوماً ،حتى وصلوا إلى مدينة
" أناليا تو باري " ، فرأى "سامبا غانا" امرأةً رائعةَ الجمال وشديدة الحزن . فقال لها : " أناليا أنا سأسترد المدن الثمانين ". وقرر أن ينطلق في مسيرة ثانية .
قال لمرافقه : "ابق هنا مع أناليا ،غنّ لها وروّحها عن نفسها ، اجعلها تضحك ". فبقي المرافق في مدينة "أناليا توباري " ، وكلّ يومٍ صار يغني لـ"أناليا " أغنيات عن أبطال بلادها ، وعن مدنها ، وعن أفاعي النهر التي تجعل مستوى المياه يرتفع ، فتجعل الناس يخزنون الأرز لسبع سنوات ويبقون جائعين لسبع سنين أخرى .
وكانت اناليا تستمع له ، بينما " سامبا غانا " كان يقطع الأمصار ، ويحارب الأمراء واحداً تلو الآخر . فأخضع ثمانين أميراً ، ولكلّ مهزومٍ منهم كان يقول :
" عليك الحضور أمام أناليا توباري ، وأن تقول لها : إن مدينتك صارت لها ".
ذهب الأمراء الثمانون يرافقهم أعداد كبيرة من المحاربين إلى مدينة "واغانا" ، وسكنوا هناك ، فأخذت مدينة أناليا تتسع وتتسع ، إلى أن أصبحت ملكة على الأمراء والمحاربين في كل الأمصار .
قال سامبا غانا لها: " كل شيء تمنيته قد أصبح ملكا ً لك ".
فقالت أناليا : " لقد وفّيت بوعدك ،سأكون زوجتك ".
فقال سامبا غانا :
" لماذا أنت حزينة؟ إنني لن أتزوج منك إلا عندما تعود البسمة إليك ، وأراك تضحكين ".
قالت أناليا : " لقد كان عار والدي المهزوم يبعث الحزن فيّ ، والآن لا أقدر على الضحك ، لأنني لم أجد أحداً يقدر على اتمام رغبتي " .
قال سامبا غانا: " أشيري عليّ ماذا عليّ أن أفعل ؟ " .
قالت : " اقتل الأفعى التي في النهر !! فهي تأخذ الخيرات لسنة كاملة فيكون هناك مجاعة لسنة كاملة ، وأنا سأكون سعيدة لقتلها " .
قال سامبا : " لم يجرأ أحدٌ على ذلك ، لكنني سأقوم به " .
اتجه سامبا غانا مع رجاله الثلاثة نحو النهر، و بحث عن الأفعى واستمر في المسير والبحث ، فوصل إلى مدينة فلم يعثر على الأفعى، واستمر يمشي مع النهر ويبحث عن الأفعى ، فوصل إلى مدينة أخرى ولم يجدها !
واستمر في البحث إلى أن عثر عليها أخيراً ، وبدأ يتصارع معها !! وفي النهاية انهزمت الأفعى وكذلك سامبا غانا !!
كان تيار النهر يأخذهما من جهة إلى جهة ، ويمر بين الجبال ، ثم يفتح أراض ويدخل فيها .
استمر الصراع ثماني سنوات بين سامبا والأفعى ، وفي العام الثامن هزمها . وخلال هذا الوقت كسر سامبا ثمانمائة رمح وثمانين سيفاً ، و أخذ أحد الرماح المليئ بالدم فأعطاه إلى مرافقه قائلا :
" خذها إلى أناليا ، وقل لها : إنني هزمت الأفعى ، وانظر إليها جيداً لترها إن كانت ستضحك " .
عاد المرافق وسلّم هدية سامبا غانا ، وعندما سمع سامبا كلام أناليا قال: هذا عظيم جداً .
أخذ سامبا السيف المبلل بالدم و غرسه في صدره وضحك مرة ثانية قبل أن يسقط ميتاً .
أخذ المرافق السيف المدمي ، و امتطى الخيل ، ومضى باتجاه أناليا ،وعند الوصول قال لها :
" هذا سيف سامبا غانا ، والدم الذي عليه هو دم الأفعى و دم سامبا الذي ضحك لآخر مرة " .
جمعت أناليا كلّ الأمراء والمحاربين في المدينة ، وامتطت خيلها ، فامتطى الجميع خيولهم ، وتبعوها نحو البلد الذي مات فيه سامبا غانا .
وصلت أناليا إلى المكان الذي كانت فيه جثة سامبا غانا وقالت:
" لقد كان بطلاً عظيماً ، ليس له مثيل عند من سبقوه ، أقيموا له ضريحاً ، وليكن الأعلى بين أضرحة الملوك والأمراء والأبطال " .
وبدأ العمل لذلك ، فحفر الأرض رجالٌ حاصل عددهم هو ثمانية أضعاف الرقم ثمانمائة .
ونفس العدد من الرجال قاموا ببناء الضريح ،و كذلك الرقم من الرجال قاموا بتجميع التراب فوق الضريح ، و رصرصوها ثم أحرقوها فظهر هرمٌ كبير .
عند كل غروب كانت أناليا وأمراؤها و رجالها المحاربون يصعدون إلى قمة الهرم وكل مساء كان المرافق يغني أغنية البطل ، وعند كل صباح كلّما كانت أناليا تستيقظ كانت تقول:
" الهرم ليس عالياً بما يكفي ، يجب رفعه كي تُرى منه كلُّ مملكة واغانا " .
ثمانية أضعاف العدد ثمانمائة من الرجال حفروا الأرض ورصرصوها ثم حرقوها .
وطوال ثمانية أعوام كان الهرم يكبر و يطول ويرتفع ، ومع نهاية العام الثامن نظر المرافق بعينيه الدائريتين وقال: "يا أناليا توباري اليوم يمكنك رؤية "واغنا"..
نظرت أناليا نحو الغرب وقالت: " ها أنا أرى "واغنا" و ضريح سامبا غانا هو العظمة التي يستحقها اسمه " .
وضحكت أناليا !! نعم ضحكت كثيراً !! وقالت:
" الآن انفصلوا أيها الأمراء ، تفرقوا في أنحاء الأرض ، و كونوا أبطالاً مثل سامبا غانا " .
وضحكت أناليا مرة ثانية قبل أن تسقط ميتة ، ويدفنوها في سرداب الهرم إلى جانب سامبا غانا .
عبدالله حسن بشير- مشرف عام المنتدي الثقافي
- عدد المساهمات : 337
تاريخ التسجيل : 04/07/2009
العمر : 51
الموقع : السعوديه ــ حفرالباطن
رد: حكايات وأساطير عالميه
تسلم حبيبنا ود البشير على الحكاوي الجميلة والرائعة زيك..
اناليا دى حظها مالو تعيس كده شكلها فى الفشفاش تلقي عضم
اناليا دى حظها مالو تعيس كده شكلها فى الفشفاش تلقي عضم
نزار الجمري- مشرف عام المنتدي الاجتماعي
- عدد المساهمات : 679
تاريخ التسجيل : 16/03/2010
الموقع : الرياض
رد: حكايات وأساطير عالميه
صدق يانزار حظها زى حظى
عبدالله حسن بشير- مشرف عام المنتدي الثقافي
- عدد المساهمات : 337
تاريخ التسجيل : 04/07/2009
العمر : 51
الموقع : السعوديه ــ حفرالباطن
رد: حكايات وأساطير عالميه
الحكايه الرابعه
حجيتكم مابجيتكم
خيراً جانا وجاكم
حجيتكم مابجيتكم
خيراً جانا وجاكم
وردة الماياب البيضاء |
كلّ الذين عاشوا في أرض الماياب كانوا قد سمعوا عن الاسم العذب للأميرة الجميلة.جميعهم يعلمون أن ساكنيكت تعني الوردة البيضاء. كانت مثل القمر العالي الذي يسكن الليالي الهادئة. وكانت "حبّابة" مثل حمامة مطوقة بالهديل العذب ، حمامة بهية وعذبة مثل قطرات الندى ،كانت جميلة مثل الوردة التي تملأ الحقل بالسعادة المعطّرة، ورائعة مثل ضياء الشمس الذي يضم كلّ الألوان، وناعمة مثل النسمة التي تأخذ بين ذراعيها كلّ الأغنيات. هكذا كانت الأميرة ساكنيكت التي ولدت في المدينة الشامخة لـ"مايافان". كان السلام يوّحد المدن الثلاث الكبرى كشقيقات على أرض ماياب . والمدن هي: " مايافان الجديدة والغالية و "أوكسمال" الرائعة و"تشي تشين إتزا" التي كان فيها المذبح ومعبد الحكمة. لم يكن هناك جيش ، لأن ملوك تلك المدن كانوا قد قطعوا عهداً بان تعيش المدن مثل شقيقات. كل الذين عاشوا في ماياب سمعوا أيضا اسم الأمير "كانيك" ؟ الذي يعني "الأفعى السوداء" .و كان مقداما، وقوي القلب، وعندما أتمّ لثلاث مرات سبع سنوات، تم تنصيبه ملكاً لمدينة " تشي تشيت إتزا". في ذلك اليوم كان الأمير "كانيك "القوي القلب ،قد رأى ساكنيكت.وفي تلك الليلة لم ينم الأمير الشجاع والقوي القلب ومنذ ذلك الوقت بدأ يشعر بالحزن طيلة أيامه. كان عمر الأميرة ساكنيكت ثلاث مرات خمس سنوات عندما رأت الأمير "كانيك" ،وهي تجلس في عرش مدينة " إتزا" ، فخفق قلبها بالسعادة ، ولما حلّ الليل نامت وثغرها مشتعل بابتسامة مضيئة. وعندما استيقظت ساكنيكت عرفت أنّ حياتها وحياة الأمير "كانيك" قد أصبحتا مثل نهرين يجريان معا ليقبّلا البحر. وهذا ما حدث. وهكذا يغنّي أولئك الذين عرفوا ولم ينسوا ذلك التاريخ. في اليوم الذي تم فيه تنصيب الأمير "كانيك" ملكا للإتزيين سكان مدينة "اتزا", صعد إلى معبد مدينة"اتزمال" المقدسة ليقدم نفسه أمام الإله. اصطكت قدماه قدمي صياد عندما نزل المدرجات الستة والعشرون للمعبد و ارتخت ذراعاه ذراعى محارب , كل ذلك لأنه رأى الأميرة الوردة البيضاء. كانت الساحة الكبيرة للمعبد محتشدة بالناس ، الذين وصلوا من جميع أنحاء ماياب ليشاهدوا الأمير. وكل الذين كانوا قريبين منه لاحظوا ما حدث . لاحظوا ابتسامة الأميرة ،وشاهدوا الأمير يغلق عينيه ، ويشدّ على صدره بيديه الباردتين. كان هناك ملوك و أمراء المدن الأخرى, جميعهم شاهدوه لكنهم لم يعرفوا أنه اعتبارا من تلك اللحظة بدأت الحياة الجديدة للملك ، و الحياة الجديدة للأميرة بدأتا تركضان مثل نهرين معا ليكملا إرادة القدر في الأعالي. وهذا ما لم يفهموه لأنه كان من الضروري العلم أن والد الأميرة ساكنيكت الملك الجبار لأرض "ماياب" كان قد منحها إلى الفتى "أوليل" . الأمير الذي يرث مملكة أوكسمال. كانوا هناك جميعهم ملوكا وأمراء, والأميرة "الوردة البيضاء" اختارت الأمير "الأفعى السوداء" لتجعل حياتها تركض معه ، كما يركض نهران معا إلى البحر. انتهى اليوم الذي تنصب الأمير "كانيك" فيه ملكا على "تشي تشين إتزا". وبدأ العدّ للأيام السبعة والثلاثين المتبقية لزواج الأمير" أوليل" من الأميرة " ساكنيكت". جاء مبعوثون ورسل من مدينة" مايافان" إلى ملك "إتزا " الشاب وقالوا له: " ملكنا، ادع الصديق والحليف إلى حفل زواج ابنتك " . فأجاب الملك كانيك بعينين تشتعلان: " قولوا لسيدكم إنني سأحضر ". و جاء مبعوثون ورسل من مدينة " أوكسمال " إلى الملك "كانيك" وقالوا له: " أميرنا "أوليل" يطلب من ملك الإتزانيين المعظم أن يأتي للجلوس إلى "قداس" زواجه من الأميرة ساكنيكت " . فأجاب الملك كانيك و كانت جبهته مليئة بالعرق ويداه مشدودتان: " قولوا لسيدكم إنه سيراني في ذلك اليوم ". وفيما كان ملك الإيتزانيين وحيدا ينظر إلى النجوم في الماء ليسألها، جاءه سفير عند منتصف الليل. جاءه قزم غامق وشائخ وقال على مسمعه: " الوردة البيضاء تنتظرك بين الأوراق الخضراء، هل ستدع رجلا أخر ليذهب ويقطفها "؟ واختفى القزم مع الهواء أو تحت الأرض ، لم يكن قد رآه أحد سوى الملك, ولم يعلم بذلك أحد. في أوكسمال العظيمة كانت تجري التحضيرات لزفاف الأميرة "الوردة البيضاء" والأمير"أوليل". ومن مدينة "مايافان" خرجت الأميرة رفقة والدها والسادة العظماء في موكب مهيب ،ملأ الطريق بالغناء. وإلى أبعد من بوابة مدينة "أوكسمال" خرج الأمير "أوليل" يرافقه العديد من النبلاء والمحاربين لاستقبال الأميرة، لكنه، عندما شاهدها كانت تبكي. كانت المدينة بأسرها مزينة بالرايات وبريش الديك البري وبالفضة وبأقواس ألوان برّاقة وكان الجميع يرقصون ، سعيدين وهم لا يدرون ماذا سيحدث. أقيمت الاحتفالات الكبيرة طيلة أيام ثلاث ،أقيمت للمدعوين في مدينة "أوكسمال" و كانت المدينة تهتز بالسعادة، فلا أحد كان يدري ماذا سيجري , وفي اليوم الثالث من الاحتفالات والقمر كان بدرا مدورا كالشمس ، كان ذلك هو اليوم الطيب لزفاف الأمير حسب طالع السماء. لقد وصل إلى أوكسمال ملوك وأبناء ملوك ،من كل الممالك القريبة والبعيدة ، و جلبوا جميعهم الهدايا للعروسين الجديدين. جاء بعضهم بخراف بيضاء, لها قرون لولبية من ذهب. آخرون جاءوا بأقحاف سلاحف ضخمة معبأة بريش كيتزال البرّاق.جاء محاربون بزيوت الطيب وعقود من الذهب والياقوت. كما جاء موسيقيون بطيور مدربة على الشدو كموسيقى السماء. ومن كل الأماكن جاء سفراء مع هدايا ثمينة ما عدا الملك كانيك ملك "تشي تشين إتزا". لقد انتظروه حتى اليوم الثالث لكنه لم يصل ولم يرسل أي مبعوث له. كان الاستغراب والقلق يسيطران على الجميع. لأنهم لم يعرفوا السبب . لكن قلب الأميرة كان يعلم وينتظر. لقد انتهى اليوم الثالث للاحتفالات وتم تحضير المذبح المخصص للقرابين، لكن، سيد الإتزانيين الأعظم لم يصل. لهذا كفّ الذين لا يعرفون السبب عن انتظاره وقالوا: " في حفل زفاف الأميرة ساكنيكت من الأمير أوليل تم انتظار سيّد تشي تشين ثلاثة أيام متتالية لكنه لم يصل ". كانت الأميرة ساكنيكت تقف قبالة المذبح وهي ترتدي الألوان الصافية والمزدانة بالورود, بينما يقترب الرجل الذي ستقدم نفسها له كزوجة . وردة ماياب تنتظر تتخيل الطرقات التي سيأتي منها الملك الذي وهبته قلبها. تنتظر وردة ماياب البيضاء بينما كانيك الملك الشاب الحزين والصياد القوي يبحث يائسا في الظلال عن الطريق الذي سيسلكه ، ليكمل مشيئة السماء. ففي حفل زفاف الأميرة ساكنيكت من الأمير أوليل تم انتظار سيد تشي تشين ثلاثة أيام متتالية لكنه لم يصل. لكن، الملك كانيك وصل في الساعة التي كان عليه أن يصل فيها. قفز فورا وسط ساحة أوكسمال يرافقه ستون من رجاله المحاربين المهمين، وصعد إلى المذبح حيث كانت النار تتوهج والكهنة ينشدون. لقد وصل بلباس الحروب وعلى صدره شارة إتزا ،وبدأوا يصرخون: إتزالانا! إتزالانا ! كما يفعلون في ميادين الحروب. لم ينهض أحد ضدهم. حدث كل هذا في لحظة ، دخل الملك كانيك كالريح الحارقة, وأخذ الأميرة بين ذراعيه على مرأى من الجميع. لم يقو أحد على منعه, وعندما أرادوا النظر إليه ،عندها، كان قد اختفى. وأمام المذبح بقي الأمير أوليل مع الكهنة فقط. لقد ضاعت الأميرة أمام عينيه يحملها الملك الذي مرّ مثل البرق.وهكذا انتهت احتفالات الزفاف وفجأة قُرعت القواقع ، ودُقت الصنوج، وانطلقت صرخة غضب أوليل في الشوارع لتجمع رجاله المحاربين. كان الأمير كانيك قد ذهب من مدينته تشي تشين إلى أوكسمال العظيمة، دون أن يراه أحد, لقد ذهب عبر الطرقات المظلمة ، حيث يوجد ممرات بين الحجارة, تحت التربة، في أرض الماياس المقدسة. هذه الطرقات لم يكن يعرفها أحد سوى أولئك الذين كان عليهم أن يعرفوها. وهكذا وصل الأمير كانيك دون أن يراه أحد ليسرق اليمامة العشيقة الحلوة جدا على أشعة قمر قلبه. لكن نصال الأسلحة تُسنّ ثانية في ماياب ، وتُرفع رايات الحروب, ويتوحد الأوكسماليين والمايابيل ضد الإتزيين. آه من الانتقام !! سوف يسقط على رأس تشي تشين, وهي لم تنم إلا القليل وقد هدّها التعب وألعاب الأفراح. أخذت الطرقات تمتلئ بغبار المسير والهواء بالصرخات وتقرع القواقع وتضرب صنوج الحرب!! ماذا سيحل بك يا مدينة تشي تشين المتعبة والنائمة من سعادة أميرك ؟ كيف غادر الإيتزانييون بيوتهم ومعابدهم في "تشي تشين" وتركوا مدينتهم الجميلة مضطجعة على ضفاف المياه الزرقاء؟ جميعهم كانوا يمضون في الليل ، وهم يبكون على أنوار حملة المشاعل. كلهم مضوا على شكل أرتال ، لينفّذوا تعاليم الآلهة وحياة الملك ، والأميرة نور ومجد ماياب. أمام أبناء إيتزا كان الملك كانيك يمضي بين حملة المشاعل وسط الجبال , كان ملتفا برداء أبيض وبلا تاج من ريش على جبهته. إلى جانبه كانت الأميرة ساكنيكت ، وكانت ترفع يدها وتشير إلى الطريق والجميع يسيرون في الخلف. وأخيرا وصلوا إلى مكان هادى وأخضر, إلى جانب بحيرة ساكنة, بعيدا عن جميع المدن. هناك وضعوا سدة المملكة وبنوا البيوت البسيطة في سلام.وهكذا نجا الإيتزانييون بفضل حب الأميرة ساكنيكت ،التي كانت قد دخلت إلى قلب الأمير الأخير لتشي تشين ، لينقذها من العقاب ، ولكي يصنعوا حياتهما الصافية والبيضاء. وحيدة وصامتة بقيت تشي تشين وسط الغابة بلا عصافير ، لأنها طارت جميعها خلف الأميرة ساكنيكت. وصل إليها أعداد كبيرة من جيوش أوكسمال ومايابان لكنهم لم يعثروا فيها على شيء ، ولا على الأصداء في القصور أو في المعابد الفارغة. عندها، أشعل حنقهم النيران في المدينة الرائعة ، وبقيت تشي تشين وحيدة وميتة مهجورة إلى جانب المياه الزرقاء. بقيت وحيدة وميتة يعطّر أنقاضها عبير ناعم يشبه البسمة والضوء الأبيض للقمر. ففي كل ربيع تنبت الوردة البيضاء في ماياب ، تزيّن الأشجار وتملأ الهواء بأنفاسها الطيبة. وابن أرض المايا ينتظرها ليحيّيها بكل حنان قلبه، وعندها يتم ذكر اسم الأميرة ساكنيكت. |
عبدالله حسن بشير- مشرف عام المنتدي الثقافي
- عدد المساهمات : 337
تاريخ التسجيل : 04/07/2009
العمر : 51
الموقع : السعوديه ــ حفرالباطن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 1 مارس 2024 - 22:40 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» كلامات
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:57 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» اللهم رحمتك
الأحد 3 ديسمبر 2023 - 16:43 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» سجل دخولك للمنتدى بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الأحد 3 ديسمبر 2023 - 16:40 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» سجل حضورك باسم منطقة؛ معلم بارز ؛شخصية من مدينة شندي
الأحد 3 ديسمبر 2023 - 11:53 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» اين انتم؟؟
الخميس 17 أغسطس 2023 - 12:09 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» كيف نجعل من شندي مدينة نموذجية ؟؟؟
الأحد 12 سبتمبر 2021 - 21:02 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» ذكريات قروي
الأحد 12 سبتمبر 2021 - 20:57 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» رسائل إداريـة
الأحد 12 سبتمبر 2021 - 20:07 من طرف عبد الرحمن احمد الحاج
» اللهم ارحم عمنا عبد الله أحمد عباس
الخميس 4 يونيو 2020 - 14:00 من طرف الحسين محمد
» إلى جنات الخلد برحمة الله عثمان عبدالله هلال
الخميس 21 مايو 2020 - 12:44 من طرف الحسين محمد
» الشاعر المركون وشعره المهجور
الأربعاء 6 مايو 2020 - 8:55 من طرف الحسين محمد
» نعي وتعزية
الإثنين 4 مايو 2020 - 9:02 من طرف الحسين محمد
» نشاط الجمعيات التعاونية في شندي وريفها
الثلاثاء 28 أبريل 2020 - 13:17 من طرف الحسين محمد
» رمضان مبارك
الثلاثاء 28 أبريل 2020 - 13:13 من طرف الحسين محمد
» تأكل
الجمعة 8 يونيو 2018 - 5:23 من طرف الحسين محمد
» نميري وقصص منسوجة
الخميس 7 يونيو 2018 - 12:38 من طرف الحسين محمد
» رحل كمال عليه الرحمة
الثلاثاء 5 يونيو 2018 - 7:00 من طرف الحسين محمد
» انا لله وانا إليه راجعون
الجمعة 25 مايو 2018 - 18:01 من طرف الحسين محمد
» إنا لله وإنا إليه راجعون
الأربعاء 28 مارس 2018 - 8:40 من طرف الحسين محمد